RAMY ABBOUD
Academic | Researcher | Author | Writer
In Information Studies | Digital Content Strategies | Digital Humanities
Welcome to my PORTFOLIO
RAMY ABBOUD, Ph.D.
Ramy
PRESS INTERVIEWS
حوار مع جريدة الأهرام المصرية
15 فبراير 2013
بقاؤنا عصريا مرهون بصناعة حقيقية للمحتوي الرقمى العربي
حاورته تهاني صلاح
الدكتور رامي عبود شاب مصري يبلغ من العمر 34 عاما, يقيم حاليا في دبي حصل علي جائزة الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات لأفضل رسالة علمية لعام2012, عن رسالته بعنوان نحو استراتيجية عربية لصناعة المحتوي الرقمي العربي: دراسة مقارنة يطرح من خلالها نموذج أول استراتيجية عربية متكاملة في مجال صناعة المحتوي الرقمي العربية, مؤكدا أن هذا النموذج تم إخضاعه للتدقيق والفحص باستخدام طريقة دلفي, وهي طريقة نادرة الاستخدم في تخصص المكتبات والمعلومات, بالتعاون مع نخبة من خبراء المحتوي الرقمي من مؤسسات محلية وإقليمية وعالمية.
والدكتور رامي تشغله قضية تنمية الوعي العربي بمسألة النهوض بصناعة المحتوي الرقمي العربية, لاسيما لدي صانعي القرار, من أجل أن يتم وضعها علي رأس قائمة الاهتمامات الوطنية والعربية, مع أهمية معالجة هذه القضية باستخدام حلول غير تقليدية, تأخذ في اعتبارها البدء من حيث انتهي الآخرون, ولاسيما تلك الحلول التي تنبع من الواقع المحلي, وليست الحلول الجاهزة التي عادة ما يتم استنساخها من الخارج.
فما هي حكاية هذه الرسالة... وما هي الحلول التي تقترحها لتحقيق التنمية المستدامة, وتأكيد الهوية العربية, وتحسين نمط حياة الأفراد, وعمل المؤسسات ؟
لمزيد من التوضيح للقارئ غير المتخصص ماذا تقصد بالمحتوي الرقمي؟
بداية يجب أن نعترف جميعا أن المعرفة تكاد تكون الفريضة الغائبة في أمة العرب الآن حسبما يذكر تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام2003, والذي يؤكد أيضا أن من أراد العزة لأمة العرب في العصر الحالي فليسهم مخلصا ومجتهدا, في إقامة مجتمع المعرفة في ربوع الوطن العربي كافة.
المقصود بالمحتوي الرقمي هنا, ليس المحتوي الرقمي المقروء فقط, بل أيضا المحتوي الإذاعي والتليفزيوني والسينمائي والمصور والبرمجي ومختلف التطبيقات الرقمية المعرفية, كما أرغب أن أنوه هنا أننا نتحدث عن تعزيز المحتوي العربي بواسطة دعم عمليات إطلاقه عبر المنصات الرقمية, وليس فقط بثه عبر وسائطه التقليدية التي باتت لا تناسب التحولات المعاصرة والمستقبلية, لذا فالمحتوي الرقمي له تأثيره المباشر علي القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعلمية والترفيهية وغيرها, أو باختصار يساعد علي تحقيق التنمية المستدامة, وبدون تعزيز صناعته بوصفه محركا أساسيا في مجتمع المعرفة, نصبح بكل بساطة خارج سياق العصر المنشغل بشكل أساسي بالمعرفة, والمغزول من خيوطها الرقمية المعقدة.
هل تعتبر الإقليم العربي فاعلا رئيسيا في سوق المحتوي الرقمي العالمي؟
حسب أحد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة, جاءت أربع دول عربية في العام2008 في قائمة أكثر50 دولة علي مستوي العالم استعدادا للإنفاق في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, وفي أحدث تقارير المنتدي الاقتصادي العالمي حول مجتمع المعلومات العالمي جاءت بعض الدول العربية متصدرة الترتيب العالمي وفقا لبعض مؤشراته الرقمية, خصوصا ما يرتبط منها بالبنية التحتية الرقمية, ومعدلات انتشارها بين السكان, لكن غالبية هذه المؤشرات الايجابية تأتي في إطار عملية الاستهلاك وليس الإنتاج الرقمي, وهي المسألة التي تعد جزءا لا يتجزأ من القضية الأم المتمثلة في قصور منظومة الإبداع والابتكار العربية, وتأتي كنتيجة سلبية لها أيضا, وهي المسألة التي تعني صراحة أن الإقليم العربي بشكل عام لا يمثل فاعلا رئيسيا في الاقتصاد العالمي الجديد القائم علي المعرفة.
ما هي منطلقات المشروع البحثي الذي أجريته ؟ وما طبيعته وأبعاده ؟
ليس هناك في الوقت الحالي خطة استراتيجية إقليمية, تجمع الدول العربية في تكتل موحد ضمنها بغرض النهوض بصناعة المحتوي الرقمي العربي, بينما توجد مجموعة متناثرة من السياسات الوطنية والإقليمية, والتوصيات والإعلانات الإقليمية للقمم العربية المرتبطة بهذا الشأن, من ثم انصب الاهتمام الأساسي لهذا المشروع البحثي علي إنتاج نموذج أولي لاستراتيجية تفصيلية تهدف للنهوض بصناعة المحتوي الرقمي العربية, بحيث يمكن تبنيها لاحقا من جانب صانعي القرار في المجتمع العربي, لذا تم بناء نموذج الاستراتيجية المذكورة خلال مجموعة من العمليات المنهجية الطويلة والمعقدة, ومن ثم تم عرضه للتدقيق والفحص والمناقشة عبر عدة جولات باستخدام طريقة دلفي, بالتعاون مع مجموعة نخبوية من الخبراء المتخصصين من مؤسسات وطنية وإقليمية وعالمية, منها علي سبيل المثال جمعية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الأردنية, ووزارتي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المصرية والأردنية, ومنظمة إسكوا, وجامعة الدول العربية, وجامعتي ويسكونسون, وهارفارد بالولايات المتحدة, وأخيرا أصحبت الصيغة النهائية للاستراتيجية المقترحة جاهزة, لاسيما بعد تحديد المعوقات التي يمكن أن تواجه تنفيذها, واقتراح بعض الحلول للتغلب عليها.
وما أبرز مكونات الاستراتيجية العربية المقترحة التي تعتقد بأنها يمكن أن تساعد في النهوض بصناعة المحتوي الرقمي العربية ؟
نتيجة لأن نموذج الاستراتيجية الإقليمية المقترح يلتزم في إطاره التنفيذي بتحقيق تكتل عربي في صناعة المحتوي العربي, باعتباره ضرورة ونتيجة لأن هذا النموذج الاقليمي غير مسبوق من حيث التفاصيل الكثيرة التي يتضمنها, والمكونات المعقدة بداخله, فقد اشتمل علي202 مبادرة أو مشروع استراتيجي لها بعد إقليمي, موزعة علي عدة محاور, وهناك مبادرتان أساسيتان تنبني عليهما مختلف مكونات الاستراتيجية المقترحة, أولهما مبادرة لإقامة ممر العرب الرقمي وهو عبارة عن ممر وهمي يقطع الإقليم العربي طولا وعرضا, يتم عليه إنشاء تجمعات رقمية للمؤسسات المختلفة ذات الصلة, ويتمتع بتسهيلات مختلفة ومزايا استثنائية تشجع علي الاستثمار في مجال المحتوي الرقمي, المبادرة الثانية تهدف إلي إنشاء هيئة لحوكمة ملف المحتوي الرقمي العربي وإدارته علي المستوي الإقليمي تحت مسمي المجلس العربي للمحتوي الرقمي, بحيث يكون لديها كافة السلطات الرقابية والتنفيذية في هذا المجال بالتنسيق بين الدول العربية المشاركة.
في ظل صعوبات العمل العربي المشترك كيف يمكن تنفيذ الاستراتيجية المقترحة ؟
خلال فترة العمل علي الدراسة ونتيجة للنقاشات المتبادلة مع الخبراء المشاركين, أدركنا مجموعة كبيرة من العوائق التقليدية التي دائما ما تواجه مشروعات العمل العربي المشترك, لاسيما بيروقراطية الأروقة الحكومية, مما قد تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة, لذا اقترحنا إمكانية تنفيذ المشروع بين مجموعة من الدول العربية وليس جميعها, لاسيما وأن هناك نماذج ناجحة للعمل المشترك بين بعض الدول كمجلس التعاون الخليجي علي سبيل المثال.
وشخصيا أؤمن بضرورة إقامة تكتل عربي سواء شامل أو جزئي في مجال صناعة المحتوي الرقمي- وإن كان يبدو حلما بعيد المنال- وذلك حتي نتمكن من الارتقاء بتلك الصناعة إلي مستوي التنافسية العالمية, وكذلك أيضا لأسباب أخري منها مثلا وحدة اللغة والجغرافيا والتاريخ, وتشابه ظروف السوق وآليات العرض والطلب, لكن هذه الرؤية بمرور الوقت بدأت تتغير بعض الشئ نتيجة الظروف المختلفة المتحولة بوتيرة سريعة, لذا أظن أنه يمكن أن تقود إحدي الدول العربية بتأثيرها الإقليمي وتعاونها مع الدول الأخري مسيرة النهوض بصناعة المحتوي الرقمي العربية. كما أن الفلسفة التي تقوم عليها الاستراتيجبة المقترحة ترتكز علي البحث عن حلول بديلة غير تقليدية.
ما حجم سوق صناعة المحتوي الرقمي العربي مقارنة بالسوق العالمي ؟
لاشك أن صناعة المحتوي الرقمي يمكن أن تلعب دورا مهما في المشهد التنموي العربي, حيث يشير أحد أحدث تقارير الأمم المتحدة المتخصصة والصادر عن منظمة إسكوا في العام2012, أن حجم سوق المحتوي الرقمي العالمية قد بلغ في العام2011 نحو3000 مليار دولار ويتوقع أن يصل إلي3800 مليار دولار في العام2015, لكن حجم سوق المحتوي الرقمي العربي محدود للغاية بالمقارنة بالسوق العالمي, وفي تقديري لا يتعدي16 إلي17 مليار دولار, أما حجم المحتوي الرقمي العربي نفسه يقدر بنحو1% إلي3% من المحتوي الرقمي العالمي, وفي أفضل حالاته بنحو2.5%, وهي نسبة ضئيلة للغاية قياسا بحجم الإقليم العربي جغرافيا وتاريخيا وسكانيا.
كيف تري واقع المحتوي الرقمي العربي في ظل المتغيرات الحالية علي الساحة العربية ؟
بداية لا يمكن تجاهل مدي العلاقة المباشرة بين المحتوي الرقمي من جانب, وممارساتنا الحياتية علي مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها من جانب آخر, فحجم مستخدمي الإنترنت في تزايد مستمر, فقد زاد مثلا في العام2010 عن56 مليون مستخدم عربي بنسبة21% تقريبا من إجمالي350 مليون عربي, في حين كان عدد مستخدمي الإنترنت في العام2000 حوالي2.5 مليون مستخدم عربي فقط, وقفزت اللغة العربية في العام2011 من موقع متواضع إلي المرتبة السابعة في تسلسل اللغات المستخدمة علي الإنترنت إذا لا ينقصنا المستخدم فحجم السوق في تزايد مستمر, ولكن تبقي قضية قدرة المنتج الرقمي علي التعبير عن الاحتياجات الفعلية للمجتمع من الناحيتين الكمية والكيفية, ومدي الوعي العام بالمحتوي الرقمي, ومدي انتشار مهارات استخدامه, ناهيك عن أن الاستخدام غير الواعي بطبيعة التحولات الجذرية المصاحبة, أقصد هنا تدني الوعي العام بالدور الحيوي للمحتوي الرقمي في تحسين أسلوب حياة الأفراد, وآلية عمل المؤسسات, وكذلك الوعي العام بالتغيرات الاجتماعية المصاحبة, وتحدي الحفاظ علي الهوية العربية في مجتمع متعولم يصعب علي الفرد العام استيعاب آلياته وهضمها جيدا قبل الانجراف في تياراته الرقمية المتسارعة, هذه الأمور وغيرها قد تؤدي إلي نتائج معاكسة بدأنا نري بوادرها تتجسد, وأذكر منها علي سبيل المثال ما يستحق أن يطلق عليه الحروب الأهلية الافتراضية التي تبدأ علي الشبكات الاجتماعية وسرعان ما تتحول إلي صدامات حقيقية في الشارع العربي, والقضايا السابقة تم اخذها في الاعتبار ضمن الاطار العام للاستراتيجية المقترحة.
هل هناك تأثير للمحتوي الرقمي علي الهوية العربية ؟
بالتأكيد هناك تأثير مباشر وكبير علي الهوية نتيجة التحول نحو استخدام المحتوي الرقمي عبر المنصات الرقيمة, وأظن أن تصور امكانية الحفاظ علي الهوية العربية في قالبها التقليدي, في مقابل رياح العولمة المتسارعة والتيارات السيبرانية الجارفة أمر لا يتسم بالدقة والعملية, المجتمع يتحول فيما حولنا بفعل الثورة المعرفية والتكنومعلوماتية, بوتيرة تبدو سريعة بحيث لم نعد قادرين علي ملاحقة بعض جوانبها, وعلي مختلف المستويات الثقافية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية... إلخ. هذه الظروف وغيرها تفرض علينا ضرورة إعادة النظر في منطلقات الهوية العربية وسماتها وأبعادها, وليس من مبالغة في القول بأن الهوية العربية بحاجة إلي إعادة التشكيل والقولبة ضمن اطار واعي وممنهج, آخذه في اعتبارها كافة التحولات التي يفرضها مجتمع المعرفة العالمي.
حوار مع مجلة لغة العصر (مجلة الأهرام لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات)
1 يوليو 2015
حاورته حورية عبيدة
رامى عبود الخبير والأكاديمى فى مجتمع المعرفة الرقمى: الإنسان المعاصر لا يستطيع أن يحيا بدون جوجل
تخيل نفسك تقرأ رواية ما فتذوب الفواصل بينكما، وتجد نفسك داخل أحداثها وترى بعينك مسرح الأحداث والأبطال وعناصر الرواية كلها، فتتفاعل معها وتتمازج وتشارك أحداثها؛ هل تحتاج بعد ذلك أن تدخل قاعة سينما أو مسرحا لتشاهد الرواية ممثلة أمامك ؟.. ثم تخيل نفسك تدلف لمحلات الملابس تختار بعض القطع بالمقاس واللون والقماش الذى تبغيه ثم تقف أمام شاشة مخصصة فتجدك قد ارتديتها فعلا فتقرر وقتها هل تشترى أم تصرف النظر عنها ؛ فهل تفكر بعد ذلك أن تنتظر فى طابور غرف القياس ؟!.
وما بالك لو زرت مكانا وتجولت فيه وعرفت معالمه حتى قبل أن تزوره؟!.. وما قولكم لو علمتم أن كل هذا لم يعد ضربا من الخيال بل صار حقيقة واقعة .. لندرك أن الفواصل بين الزمان والمكان والفعل والجسد قد تلاشت.. والمستقبل أضحى للمحتوى الرقمى.
من هنا كان لـ "لغة العصر " هذا الحوار المهم مع د. رامى عبود خبير و التخطيط الاستراتيجى بمجالالمحتوى الرقمى العربى ومجتمع المعرفة.
< بداية نلقى الضوء على كتابك نحو استراتيجية عربية لصناعة المحتوي الرقمي؟
- أولا الدراسات العلمية العربية فى هذا المجال تكاد تكون نادرة، والمنظّرون أيضا فى قضايا مجتمع المعرفة فى محيطنا العربى نادرون. وأهمية هذا الكتاب تنطلق من كونه أحد كتب عربية قليلة ناقشت قضية المحتوى الرقمى العربى وصناعته، بوصف علاقته الوثيقة بالتحول باتجاه مجتمع المعرفة، وإقامةاقتصاد معرفة، ويعد أول دراسة تقترح نموذجا لاستراتيجية إقليمية عربية موحدة فى مجال صناعة المحتوى الرقمي، إيمانا بأن النهوض بهذا صناعة مهمة وحيوية، ويتطلب جهدا عربيا ينتظم عبر سياسات رقمية إقليمية، لسد الفجوة الرقمية وقد ترسخت لدى قناعة بأنه يمكن لإحدى الدول العربية أن تقود صناعة المحتوى الرقمى الإقليمية بالتعاون مع بعض الدول العربية القليلة الأخرى، ولا يشترط جميعها كما هو مقترح الدراسة الأصلى، ولعل دولة الإمارات من بين الدول المرشحة بقوة لذلك.
< دعنا أولا نفهم ماذا تقصد بالمحتوى الرقمى؟
- ببساطة شديدة المحتوى هو المعرفة. ورحلة تطور المحتوى وصولا إلى شكله الرقمى المعاصر، رحلة تاريخية وممتدة، وتتصل بتاريخ التدوين وإنتاج المعرفة وبثها واختزانها وتنظيمها واسترجاعها. بل إن رحلة تطوره بدأت منذ اللحظة الأولى التى تجرأ فيها الإنسان الأول على جدران الكهوف فأخذ يوثّق عليها بقطع الفحم، وما توفر له من مواد إذاك، تفاصيل حياته ومشاهداته اليومية، وهكذا حصل ذلك المحتوى البدائى على جواز مرور إلى المستقبل.ثم حقبة الاجتماع الزراعي ، قبل نحو أكثر من عشرة آلاف عام، ولا أبالغ فى القول بأن البردى المصرى والأقراص الطينية السومرية قد لعبا دورا لا يقل فى أهميته عن أى مقياس تاريخى أو عن الدور الذى لعبه الكمبيوتر والألواح الرقمية المعاصرة. على أى الأحوال، لقد حدثت ثلاث ثورات رئيسية فى الرحلة التاريخية لتطور المحتوى: أولا ثورة الطباعة، التى بدأت باختراع آلة الطباعة (نحو 1456 م)، مما أدى إلى تكثيف إنتاج المحتوى الورقى (المطبوع) على نحو غير مسبوق فى التاريخ، ثانيا الثورة الأنالوجية analog(أو التناظرية) والتى بدأت بظهور التلغراف والتصوير الفوتوغرافى والتليفون والراديو التليفزيون والفاكس وغيرها من الأجهزة الأنالوجية، ثالثا الثورة الرقمية بظهور الكمبيوتر والتى اكتملت لاحقا بظهور الإنترنت.aspx'>الإنترنت والويب.aspx'>الويب.
< أليس مدهشا أن تستغرق الويب.aspx'>الويب 4 أعوام فقط لتكون في متناول 50 مليون شخص.. مقارنة بما استغرقته المحتويات السابقة (ورقية وأنا لوجية)؟
- حتى نفهم معنى المحتوى الرقمى لابد أن ندرك علاقته بمجتمع المعرفة.فمجتمع المعرفة قد ظهر مفهومه فى الولايات المتحدة الأمريكية فى الستينات من القرن العشرين، لكنه تطور لاحقا ليشير إلى ثلاث بنيات رقمية أساسية تعكس تكوينه الداخلي، بحيث لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، وهي: البنية التحتية، والبنية الفوقية، وما اسميه البنية الفوق تحتية.أما البنية التحتية فالمقصود بها شبكات الموبايل والإنترنت.aspx'>الإنترنت والأجهزة الكمبيوترية، والعتاد الرقمى بشكل عام. بينما المقصود بالبنية الفوقية هو تحديدا المحتوى الرقمى، وهو باختصار المعرفة الرقمية التى تسرى فى أوصال البنيات التحتية، سواء كانت مواد نصية، أو بصرية (أى صور)، أو سمعية، أو سمعبصرية (أى فيديو)، البنية التحتية الرقمية بمثابةالجسد، بينما المحتوى الرقمى بمثابة الرأس، والبنية الفوق تحتية هى الحلقة الوسيطة فيما بين البنيتين التحتية والفوقية، ويقصد بها الركائز الفرعية الداعمة للبيئة الرقمية، والضابطة لحركيتها، أي أن بالبنية الرقمية الفوق تحتية عدة أمور من بينها: معايير الجودة والقياس، السياسات الاستراتيجية الرقمية، التعليم الداعم لمجتمع المعرفة، قدرات الأمن الرقمى، التشريعات والقوانين الضابطة لمجتمع المعرفة، توافر الموروث الثقافى والتاريخى الذى يمكن الانطلاق منه، والأهم من هذا كله توافر الوعى العام والخاص بالمحتوى الرقمي ومجتمع المعرفة. والبنية الفوق تحتية تحديدا عندنا تتطلب اتفاقا عربيا وعملا مشتركا، ليس فقط نتيجة وحدة اللغة، ولكن أيضا نتيجة المصالح الاقتصادية المباشرة وضرورة وجود تشريعات عربية موحدة، تحمي حقوق الملكية وتضمن لها عبورا آمنا للحدود الجغرافية بين الدول العربية.
إذ إن المنطقة العربية من بين المناطق الأعلى فى العالم من حيث ارتفاع معدلات قرصنة المنتجات الرقمية وانتهاك حقوق ملكيتها.
وهنا أؤكد ان تدنى الوعى العربى بمجتمع المعرفة والقضايا المرتبطة به، وصناعة المحتوى الرقمى، يزيد جهل عموم الناس بكيفية تأثير المحتوى الرقمى على الطريقة التى يعيشون ويعملون بها.
< ما أبرز منتجات المحتوى الرقمى التى لفتت نظرك وتعتقد فى تأثيرها الكبير؟
- بالتأكيد مترجم سكايب skype translator. لقد قام هذا التطبيق بتحويل أحد الأحلام الإنسانية الكبيرة بشأن التواصل الإنسانى إلى حقيقة،وبذلك نكون قد تمكنا من تجاوز معوقات اللغة بعد أن تجاوزنا بفضلالإنترنت.aspx'>الإنترنت معوقات الزمان والمكان، ويقوم هذا التطبيق بالتعرف الآلى على الكلام الصوتى، وترجمته من لغة المرسل إلى لغة المستقبِل (بكسر الباء)، حيث يستطيع المستقبِل سماع حديث المرسِل فى لغته الأم (أى لغة المستقبِل الأم)، وهذا الأمر يجعلنا بصدد مرحلة جديدة من مراحل التواصل الإنسانى.
< وماذا عن"الفجوة الرقمية" فى المجتمع العربى؟
الإدارة الأمريكية أول من أطلق مفهوم الفجوة الرقمية، وقد انتبهت مبكرا إلى التأثير السلبى لانعدام عدالة توزيع الأجهزة الرقمية، وعدم المساواة فى النفاذ إلى الإنترنت.aspx'>الإنترنت والوصول إلى المعرفة، وهو ما يقصد به الفجوة الرقمية. ومدي تأثير هذا على بناء اقتصاد المعرفة، وهو نمط الاقتصاد الجديد ما بعد الصناعى، ومن ثم تأثير ذلك على التنمية المستديمة.
وتركزت معظم نقاط التحول إلى اقتصاد المعرفة فى أمريكا، ومثال ذلك فيسبوك و جوجل، التى أحدثت طفرة عظيمة فى محركات البحث فى الويب.aspx'>الويب والتطبيقات الرقمية. و شركة آبل الأمريكية،ومؤسسهاالعبقرى ستيف جوبز الذى غير طريقة عيش وعمل ملايين البشر فى العالم بما ابتكرته من أجهزة وتطبيقات .
أما عربيا، فما زلنا نعانى فجوة رقمية على مختلف مستويات البنيات التحتية والفوقية والفوق تحتية، بل فجوات فيما بين العالم العربى والعالم، وبين الدول العربية وبعضها البعض، وبين المدن الرئيسية والمجتمعات النائية، بل على مستوى أفراد الأسرة الواحدة.
< إذن العرب يعانون إشكالات فى التخطيط الاستراتيجى فى مجال مجتمع المعرفة؟!
- بالتأكيد نعانى إشكالات عميقة فى بنية السياسات الرقمية. فمجمل منتوج السياسات الرقمية العربية يصدر عن رؤى داخلية مغلقة لا تكاد تتماس مع الواقع العالمي، بينما تستنسخ فى أغلبها سياسات وطنية لدول أخرى لا تتطابق مع الخصوصيات المحلية، كما تفقد فى أغلبها مفهوم التنافسية،ونادرا ما تعير الاهتمام لمسألة الابتكار والابداع، اللذين يشكلان سويا جوهر الاجتماع الجديد أي مجتمع المعرفة.
ولابد أن نعرف أن إقامة مجتمع المعرفة مشروطة بصناعة المحتوى الرقمى، والصناعات الرقمية والمعرفية، وقدرات الإبداع والابتكار، إذا لم ننخرط فى تخطيط استراتيجى رقمى مشترك وجاد، فإن لغتنا وهويتنا وموروثنا ووجودنا الكلى يصبحون فى خطر محدق.
< هل يلعب المحتوى الرقمى دورا مهما فى تشكيل الوعى العالمى والتأثير فى حركيّة العالم؟
- اسمحى لى أن أسألك أولا: متى كان آخر خطاب كتبته بخط اليد ثم ألقيته فى أقرب صندوق البريد فى الشارع؟. فى التسعينيات مثلا، إن هذه الممارسة الحياتية الفيزيقية قد انتهى وجودها بعد ظهور تطبيقات الإيميل، والواتس آب، والماسنجر،وسكايب،وغيرها. وإن كثيرا من الممارسات والأنشطة الفيزيقية الأخرى قد خرجت بالفعل من حياتنا، أو إنها ستخرج تباعا الواحدة بعد الأخرى، لتكتمل تدريجيا صيرورة التحول إلى الفضاء السيبرنيتيكي.
النقطة هنا، حتى نفهم دور المحتوى فى تشكيل الوعى العالمي، لابد أن ندرك أولا جوهر تفوق المحتوى الرقمى على المحتوى التقليدى إلى حد انمحاء كثير من ممارساتنا الحياتية الفيزيقية. إن انتقال المحتوى من العوالم الكلاسيكية إلى العوالم الرقمية، قام بتفكيك الارتباط التقليدى بين المعرفة والأطر الزمكانية، ومن ثم امتلكت المعرفة الرقمية قدرة فائقة على الانتشار سريعا،وتجاوز حدود الزمان والمكان، واختزال مساحات الحفظ، وكذا إشكاليات التنظيم والإتاحة.
كما أصبح بإمكان الشخصيات العامة التحدث مباشرة إلى متابعيهم والتأثير فيهم وفى ردود أفعالهم تجاه قضايا معينة، بينما يمكن لمعجبيهم متابعتهم لحظة بلحظة بطريقة 24/7 وهو ما لم يتوفر من قبل. وتأثير تطبيقات المحتوى الرقمى يمتد إلى مناح كثيرة جدا من حياتنا، فيمكننا عبر تطبيقات المحتوى الرقمى شراء حاجياتنا، وتنظيم أعمالنا، ومشاهدة أطفالنا فى البيت عبر كاميرات الويب.aspx'>الويب.
كما يوجد ما يسمي (سحرية العوالم الرقمية) وهي هيمنة المحتوي الرقمي علي عقل الفرد فيؤثر فى إعادة تشكيل وعى الجماعة الإنسانية عبر ما يبثه من رسائل معرفية فائقة ومباشرة.ولعل هذا ما يفسر الانتشار السريع للإنترنت والزيادة الفائقة فى مستخدميه حول العالم، فقد وصل عدد مستخدمىالإنترنت.aspx'>الإنترنت فى العام 2014 إلى ثلاثة مليارات فرد، أى ما يعادل 40 % من سكان العالم، وذلك خلال 23 عاما فقط، نعود إلى خطورة المحتوى الرقمى فى تشكيل الوعى الإنسانى العالمي.
ولعل أبرز مثال هو فيسبوك، فمن واقع إحصاءاتها الرسمية ، تبين أن عدد مشتركى فيسبوك فى العام الماضى ٢٠١٤ وصل إلى نحو ٨٦٤ مليون مشترك، بينما زاد فى الربع الاول من العام الجارى ٢٠١٥ إلى 1.44 مليار مشترك. أما معدل الزيادة الهائل هذا محال أن يبلغه أى منتج محتوائى كلاسيكى بحال من الأحوال، لذا خطورة قوة التأثير العالمى التى تمتلكها فيسبوك وفاعليتها فى الفضاء السيبراني، بوصفها مجتمعا رقميا غير فيزيقي، تأتى كنتيجة مباشرة لاحتكارها نصف المتصلين بالانترنت فى العالم(أى 1.44 مليار فرد)، وقدرتها على التأثير فى واقعهم، ومن ثم ففيسبوك تمتلك إمكانية إعادة توجيه الفعل العالمى إذا لزم الأمر.
< لاحظت أخيرا انتشار مصطلح "جوجلها" يتردد فى كل مكان؟ ما السر؟
- فى التسعينيات كنا نستخدم محركات بحث فى الإنترنت.aspx'>الإنترنت على غرارExcite، Alta Vista، Infoseek، Netscape، Lycos وغيرها، والتى انتشرت انتشارا واسعا قبل ظهور google، أما وقد ظهر جوجل فقد انقلبت موازين محركات البحث وتطبيقات الإنترنت.aspx'>الإنترنت ذاتها رأسا على عقب، بحيث امتلكت جوجل أخيرا حصة قدرها نحو 78 % من سوق محركات البحث فى العالم. استطاعت جوجل تحقيق ذلك بفضل تنوع خدماتها، وقدرتها الفائقة على التطابق مع توقعات مستخدمى الإنترنت.aspx'>الإنترنت، وإشباع احتياجاتهم. فجوجل، مثلا كانت وراء تطوير تطبيق آندرويد، كنظام تشغيل للهواتف الذكية واسع الانتشار بين سكان الأرض، ومؤخرا سيارة جوجل، ونظارة جوجل، وغير ذلك من الابتكارات والخدمات التى ساعدت على احتلال جوجل مكانة رائدة فى العالم الرقمى.
أصبحت جوجل الآن بمثابة البوابة السحرية لمحتوى العالم، بحيث وصلت معدلات البحث فيها حسب إحصاءات 2013 إلى نحو 2.1 تريليون مرة بحث، بواقع نحو 5.9 مليار مرة بحث فى اليوم، بحيث يمكن القول أنه ليس بمقدور الإنسان المعاصر أن يحيا بدون الماء وجوجل، وهكذا شكلت جوجل هيمنتها على المجتمع الإنسانى.
< بماذا تعلل الانتشار السريع للهواتف الذكية؟ وما علاقتها بالمحتوى الرقمى؟
لو مثلنا معدلات الزيادة فى كل من سكان العالم والموبايل، فى خطين بيانيين سنلاحظ أنهما قد التقيا فى نهاية العام 2014، حيث حدث للمرة الأولى فى التاريخ أن تفوقت الكثافة العددية لأجهزة الموبايل على الكثافة العديدة لسكان الأرض، أى بمعدل انتشار 100 % بين سكان العالم. وحسب جوجل، فإن عدد سكان العالم ممن يستخدمون "الموبايل" يزيد على عدد سكان العالم ممن يستخدمون "فرشاة الأسنان". وهذا ما أسميه "هوس الموبايل" أو بالأحرى "هوس تطبيقات الموبايل".. فالموبايل قد تحول من مجرد وسيلة لاسلكية للاتصال الهاتفى إلى كمبيوتر متنقل يمكن حمله أينما كنا بحيث نستطيع الاعتماد عليه فى مختلف شئوننا إلى حد الهوس. ومن مظاهر تجليات هذا الهوس أن نحو 33 % من الأشخاص، حسب "جارى شوارتز" خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ينامون والهواتف إلى جانبهم، بينما75 % يستخدمون الهواتف الذكية فى "المرحاض". إلى هذا الحد لا يمكن الانفصال عن هواتفنا الذكية. ولعل هذا الهوس يعود إلى تفوق الهواتف الذكية على التقنيات الأخرى السابقة، والأهم من ذلك كله أن الهواتف الذكية قد فتحت المجال على مصراعيه أمام مزيد من الإبداع والابتكار فى مجال التطبيقات الرقمية، فقد أصبح فى مقدور كل شخص فى العالم أن يطور تطبيقا رقميا معينا وينشره عبر المستودعات الرقمية الموجودة علىالإنترنت.aspx'>الإنترنت. وفى الماضى كانت الحاجة أم الاختراع، أما فى الحاضر فيمكننا القول بأن الحاجة هى أم تطبيقات الموبايل.
كيف سيكون المحتوى الرقمى فى المستقبل؟
- المستقبل ليس للمحتوى النصى، وإنما للبصرى، أى الصور والفيديو، ومن بعدها virtual reality(أو الواقع الافتراضى) . وفى المستقبل سوف تختفى أنماط النص والصورة والفيديو من محيط بث المعرفة واستقبالها، ومن ثم سيختفى بالتوازى كثير من ممارساتنا الفيزيقية ذات الصلة ببث واستقبال المعرفة. السيناريوهات المستقبلية فى هذا الشأن مدهشة ولانهائية، فالروايةفى المستقبل مثلا قد لا تكتب بالطريقة التقليدية بينما يمكن دمج كل من الروائى والمتلقى داخل النص وتذويب الحدود الفاصلة فيما بينهما على نحو قد يلغى صناعة السينما ذاتها (بل إننا بصدد تطبيقات رقمية متطورة تستطيع الكتابة والتأليف مما قد يؤدى إلى اختفاء الروائى والصحفى والكاتب فى المستقبل، ولا أعنى إثارة مخاوفك بشأن مهنة الصحافة، فقد لا نعاصر هكذا تحولات فى حياتنا). ومن يبحث فى الخرائط الرقمية عن موقع ما داخل أحد شوارع المدينة قد يتمكن من الوقوف أثناء البحث فى الموقع ذاته وتفقد محيطه ومعاينة الجوار قبل أن يزوره، ومن يرغب فى شراء ملابس جديدة سيكون غير مضطر للاصطفاف أمام غرفة القياس،أو أن يقوم بتبديل ملابسه، بينما يمكنه مشاهدة نفسه وهو يرتدى الملابس التى اختارها، وكأنه يقف أمام مرآة مرتديا إياها فى الحقيقة. سيناريوهات تطبيق الفيرشوال رياليتى فى حياتنا المستقبلية مذهلة ولا نهائية ولا شك أنها ستغير الطريقة اللى نحيا بها، ونفكّر من خلالها، وننظر إلى ذاتنا من خلالها، ونعيِّن بها وجودنا فى هذا العالم.
تحقيق صحفي شاركت فيه ونشر في الإمارات اليوم (مشاركتي محددة باللون الأصفر)
مختصون يطالبون بقانون يجــرّم التحريض على الكراهية
التاريخ:: 07 يوليو 2015
المصدر: أحمد عابد ـــ أبوظبي
طالب مسؤولون ومختصون في الإعلام الاجتماعي وقانونيون، باستحداث قانون يجرّم التحريض على الكراهية، فعلاً وقولاً، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدي أو مواقع التواصل الاجتماعي، لتحصين المجتمع وحمايته، في ضوء ما تثيره هذه الجريمة من تداعيات سلبية خطرة، أهمها نشر الفتن والنعرات الطائفية التي تهدف إلى تقويض الاستقرار وهدم المنجزات الوطنية للدول.
ونوهوا بجهود القيادة في تكريس دولة القانون القائمة على العدل والمساواة، وإرساء مبدأ احترام الآخر، ونبذ العنصرية أو التحريض على الكراهية بأشكالها كافة، في الوقت الذي شهدت دول عربية انتشار تيارات وحملات تحريض على الكراهية، وتشويه الآخر، ونشر الشائعات المغرضة، ما أثار البلبلة والفوضى في هذه البلدان.
ورصدوا انتشار ظاهرة التحريض على الكراهية، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها الإساءة إلى دين معين، أو ممارسة العنف، والإيذاء ضد فئة بعينها، وإرسال رسائل الكراهية، والتقليل من شأن الآخرين، والإساءة إلى المواطن والوطن ونشر القصص المسيئة والنكت وغيرها من أفعال الكراهية.
مواد مقترحة
اقترح المحامي أحمد رمضان عدداً من المواد التي يمكن أن يتضمنها قانون الكراهية، ومنها: أن يحظر القيام أو الدعوة أو الحض بأي وسيلة من الوسائل على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع، أو إثارة الفتن الطائفية أو القبلية أو نشر الأفكار الداعية إلى تفوق أي عرق أو جماعة أو لون أو أصل أو مذهب ديني أو جنس أو نسب، أو التحريض على عمل من أعمال العنف لهذا الغرض، أو إذاعة أو نشر أو طبع أو بث أو إعادة بث أو إنتاج أو تداول أي محتوى أو مطبوع أو مادة مرئية أو مسموعة أو بث شائعات كاذبة تتضمن ما من شأنه أن يؤدي إلى ما تقدم، وكذا الحكم بالحبس على القائمين على إدارة أي مؤسسة تبث الكراهية ضد أي فئة من فئات المجتمع، وبمصادرة الوسائل والأموال والأدوات والصحف والمطبوعات المستعملة في ارتكاب الجريمة، وإلغاء الترخيص بمزاولة النشاط وتضاعف العقوبة في حالة العودة إلى ما أدى إليها.
250 ألف درهم عقوبة السبّ عبر «واتس أب»
أيدت المحكمة الاتحادية العليا طعن النيابة العامة ضد حكم استئناف قضى بعقوبة مخففة على متهم سب آخر بما يخدش اعتباره عبر برنامج الـ«واتس أب»، إذ أكدت وجوب تطبيق العقوبة التي نص عليها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وهي الغرامة 250 ألف درهم والإبعاد للأجنبي.
وأشارت المحكمة إلى أن «التهمة المسندة إلى المتهم تشكل جنحة وفقاً للمادة 20 من المرسوم للقانون رقم (5) لسنة 2012، في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ومن ثم فإنه لا يجوز أن تقضي المحكمة بغرامة تقل عن الحد الأدنى المقرر وقدرها 250 ألف درهم، بما يوجب نقض الحكم مع الإحالة». وأوضحت المحكمة أن القانون يعاقب بالحبس والغرامة أو إحدى هاتين العقوبتين ضد كل من سب الغير أو أسند إليه واقعة من شأنها أن تجعله محلاً للعقاب أو الازدراء من قبل الآخرين.
شتائم وإثارة نعرات
وتفصيلاً، رصدت «الإمارات اليوم» على مواقع إلكترونية تجاوزات لفظية غير مقبولة تثير نعرات قبلية وطائفية بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، كما رصدت على موقعي التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة «فيس بوك» و«تويتر»، عدداً من التجاوزات اللفظية، ولاحظت أنها بدأت باختلاف في الرأي حول موضوع أو قضية، تبعه تراشق بالألفاظ وتلاسنات حادة، وصولاً إلى التجريح في الأعراض والسمعة، والتشكيك في الانتماءات، والسبّ والقذف بأقدح الكلمات والعبارات.
كما رصدت ردود فعل مبالغاً فيها، من شأنها أن تثير النعرات بين الأفراد على خلفية تباين وجدل في الآراء والمواقف، في ما بينهم تجاه قضايا سياسية مرتبطة بالتطورات السياسية التي يشهدها الوطن العربي.
وامتدت ظاهرة التراشق بالألفاظ النابية، وإثارة النعرات بين مشجعي مباريات كرة قدم على خلفية فوز فريق على آخر، ولم تسلم بعض الشخصيات المعروفة ومشاهير الفن والغناء من ظاهرة التجاوزات على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وُجهت إلى بعضهم انتقادات حادة، وعبارات سبّ وقذف ضمن تغريدات على موقع «تويتر».
وفي هذا السياق، أثير محلياً، أخيراً، حوار ساخن عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بين ثلاثة مواطنين، وامرأة من جنسية دولة عربية، وتصاعد خلاف بين الجانبين إلى أن تحول إلى تبادل الشتائم والاتهامات، مستخدمين النعرات القبلية، ما دفع واحداً من أبناء إحدى القبائل التي تعرضت للسبّ والقذف إلى التقدم بشكوى إلى النيابة العامة ضد المرأة، فأمرت النيابة بإحضار المتهمين الأربعة والتحقيق معهم، بتهمة التحريض وإثارة النعرات القبلية والسبّ والقذف عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».
بلطجة رقمية
وحذر الأكاديمي خبير المحتوى الرقمي ومجتمع المعرفة، الدكتور رامي عبود، مما أسماه انفلاتاً مفاجئاً للمكبوتات الاجتماعية والثقافية والسياسية على المستوى العربي، عبر مسارب الـ(ويب)، لاسيما في ظل ازدياد مساحة الحرية الفردية، وقلة حدة الرقابة الخارجية على الذات، مشيراً إلى أن «فجائية هذا الانفلات أفضت إلى كثير من الممارسات السلوكية السلبية التي تعج بها الشبكات الاجتماعية وصفحات الـ(ويب)، وما فاقم من حدة هذه الممارسات السلبية هو تدني الوعي العربي بالتحولات الاجتماعية المصاحبة بمجتمع المعرفة».
وقال عبود: «المشرع ومن بعده السلطة التنفيذية، أمامهما تحدٍ كبير يكمن في كشف الخطوط الفاصلة بين ما هو تعبير عن الرأي من جانب، وما هو تحريض على العنف أو الكراهية أو السب والقذف أو ما بات يعرف بالبلطجة السيبرانية (cyberbullying) من جانب آخر، وما يفاقم من حدة التحديات هو الحجم الهائل لكتلة مستخدمي الإنترنت والإعلام الإجتماعي، ما يصعب من مهمة الرقابة، ويعزز آلية إنتاج أنماط السلوكيات السلبية بين مستخدمي شبكات التواصل الإجتماعي، ولهذا يعاني موقع (تويتر) وغيره من شبكات معاناة شديدة في تتبع الحسابات التي يتم إنشاؤها كل لحظة، بهدف تجنيد الإرهابيين ونشر أفكار التطرف والتحريض على العنف في الشرق الأوسط والعالم».
ولفت عبود إلى أن «آليات التعبير عن الرأي ضمن الفضاء (السيبراني)، تتجاوز الفضاءات التقليدية، سواء كانت ورقية كالصحف والمجلات والكتب، أو عوالم رقمية، كالراديو والتلفزيون، وذلك من حيث محدداتها ومظاهرها».
وقال: «من حيث المحددات، فإن الحرية الفائقة المتاحة في الفضاء والناتجة عن انزياح الرقابة المجتمعية الخارجية التي عادة ما تردع الفرد، وتضبط ممارساته ضمن الجماعة الطبيعية؛ أما من حيث مظاهر التجلي، فنذكر على سبيل المثال، طبيعة الرسالة المعلوماتية من حيث استخدام تقنيات كمبيوترية متطورة، كالرسوم الغرافيكية وتقنيات الواقع الافتراضي، والتي تنتج رسائل بصرية فائقة تجعل المتلقي جزءاً منها، وتضعه تحت تأثيرها السحري».
وبين عبود أن «بعض كبريات الصحف أحجمت عن فتح التعليقات للقراء على نسخة مقالاتها المنشورة على الويب، بل إن كبار الكتاب رغم تمرسهم على النقد والنقد المضاد، يفضلون عدم فتح خاصية تعليق القراء على مقالاتهم، لما تسببه من إزعاج وضغوط نفسية للكتاب والصحافيين».
وأكد أنه لابد من استحداث قوانين وتشريعات وتفعيلها، بالتزامن مع نشر الوعي بين كل من أفراد المجتمع المحلي، والقائمين على تنفيذ التشريعات على حد سواء، بعبارة أخرى، إن وجود الرقيب الخارجي التشريعي أو الشرطي أو المجتمعي لا ينفي تفعيل الرقيب الداخلي أو الضمير، ذلك أن سلطة الضمير وفعله لابد وأن يكونا أسبق على السلطة الخارجية وفعلها.
انتحار
أشار الأكاديمي خبير المحتوى الرقمي ومجتمع المعرفة، الدكتور رامي عبود، إلى حادثة انتحار وزير إيرلندي في عام 2012 نتيجة الهجوم الشديد عليه عبر مواقع التواصل والرسائل النصية عبر الإنترنت بسبب أحد قراراته، كما سُجلت حالات انتحار مراهقين في السنوات الأخيرة بعد تعرضهم للاضطهاد عبر الإنترنت أو البلطجة، والتهديد عبر حساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، لافتاً إلى أن ظاهرة التعبير الإسفافي السلبي عن الرأي، في مقابل التعبير الإيجابي عن الرأي، لا تقتصر على المجتمعات النامية أو الفقيرة، بل تمتد إلى الغنية.
قانون مفصل
من جهته، طالب الرئيس السابق للجنة الشؤون التشريعية والقانونية في المجلس الوطني الاتحادي، أحمد علي الزعابي، بدراسة سن تشريع يجرم التحريض على الكراهية والترويج لها عبر وسائل الإعلام والتواصل المختلفة، لافتاً إلى أهمية وجود قواعد قانونية تحدد مفهوم الكراهية وأشكالها، والعقوبات المترتبة على ارتكابها، مبيناً أن التحريض على الكراهية يُعد من السلوكيات البغيضة، التي تهدف إلى إثارة البلبلة والفتن والتناحر الطائفي والمذهبي بين أبناء المجتمع الواحد، لذا كان من الواجب أن يسن قانون يجرمها، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تشهد تجاوزات غير قانونية وترويج شائعات وكراهية.
ونوه بجهود القيادة في تكريس دولة القانون القائمة على العدل وإرساء مبدأ عدم التحريض على الكراهية، وهو تطبيقاً لما يدعو إليه ديننا الإسلامي.
مظاهر الكراهية
من جانبه، أكد المحامي أحمد رمضان، أن الكراهية تعد من أخطر الأدوات الحديثة التي تفكك الروح الوطنية الواحدة وتدمر الإنسان وتجعله وحشاً شرساً تنعكس شروره على المجتمع والوطن، لافتاً إلى أن الكراهية يتبناها ويروجها مجموعة فاسدة، تبث سمومها وأحقادها عبر الوسائل المختلفة على مدار الساعة، لتحقيق أهداف مشبوهة.
واستعرض عدداً من مظاهر الكراهية، ومنها الإساءة إلى دين معين أو ممارسة العنف والإيذاء ضد فئة وإرسال رسائل الكراهية والتقليل من شأن الآخرين عبر الوسائل المختلفة، التي تبدو أكثر ظهوراً في الوقت الراهن عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الإساءة إلى المواطن والوطن وإثارة النزاعات التاريخية الميتة وإحيائها من جديد ورمي الكلمات الجارحة على الآخرين ونشر القصص والنكت، وغير ذلك من أفعال الكراهية بهدف التقليل من مكانتهم وتوسعة دائرة الكراهية نحوهم وهز الثقة بين أفراد المجتمع، ومحاولة الإساءة إلى النسيج الاجتماعي.
وأكد أهمية سن قانون يجرم الكراهية، ويعلي صوت الدولة الوطنية ويلجم كل الأصوات التي تنخر في المجتمع وتنشر الحقد والتحريض والكراهية، معتبراً أن وجود مثل هذا القانون بداية وخطوة مفيدة جداً في اتجاه نبذ العنف والكراهية، مشدّداً على أن المحاسبة القانونية هي حل رادع لمن سيطرت الكراهية عليهم، لاسيما في ظل ظروف أشد ما نحتاج فيها إلى التلاحم والتعاون والتكامل على خير يخدم المجتمع، مطالباً بتأسيس مفهوم جديد للتسامح والتعايش والتآلف يمنح حصانة ذاتية واجتماعية عالية ضد كل محاولات مروجي الكراهية وتغريرهم لضعاف النفوس.
شائعات مغرضة
من ناحيته، أشار نائب رئيس جمعية الإمارات للتطوع، محمد صالح بداه، إلى أهمية سن قانون يجرم أشكال الكراهية، ويحصن المجتمع ضد أي محاولات خبيثة تسعى إلى نشر الكراهية وإثارة الفتن والنعرات بين الأفراد، موضحاً أن هذا القانون يساعد الدولة في خططها التنموية والوطنية ويعزز من وحدة النسيج الوطني.
وحذر من مروجي الكراهية عبر مواقع وبرامج التواصل الاجتماعي، إذ يروجون الشائعات على أساس أنها حقائق مسلمة، ليتم تداولها عبر قطاع عريض من مستخدمي هذه المواقع، بحيث يتم خلق انطباع سلبي وكريه أو عدواني ضد شخص أو دولة أو موقف ما أو غير ذلك، مشيراً إلى أن رسائل الكراهية تحمل في طياتها سموماً تهدف إلى إثارة البلبلة والفتن والنعرات بين الأفراد وتفتيت الدول.
ولفت إلى أن الدولة أرست مبدأ عدم كراهية الآخر، أو التمييز ضد فئة بسبب دينها أو جنسيتها أو لونها، ووضعت القوانين الكفيلة لضمان حرية الأفراد، ولعل وجود أكثر من 200 جنسية تعيش حالياً في الدولة، هو خير دليل على انفتاح الإمارات على الآخرين، مؤكداً أن الدولة لا تسمح بإثارة النعرات والكراهية بين أفراد المجتمع، واللافت أن من يروجون لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هم فئات من خارج الدولة، معرباً عن تطلعه إلى أن يكون هناك تعاون عربي في توعية الأفراد بمخاطر الخلافات الفئوية وإثارة النعرات الطائفية.
الخطاب الديني
بدوره، نفى المختص في مجال الإعلام الأمني، الخبير الإعلامي عبدالله شاهين، أن يكون للقوانين وحدها الفاعلية السحرية لتعديل سلوكيات الأفراد على نحو عميق، موضحاً أن مناهضة أي سلوك سلبي والقضاء عليه يبدأ من الأسرة والمؤسسات المعنية بالتربية والتثقيف لترسيخ القيم الجمالية والحضارية، وغرسها في النفوس على نحو راسخ ومقنع بعيداً عن الجبر والإذعان.
وحمل شاهين بعض رجال الدين والوعاظ في بعض الدول مسؤولية ما نشهده من كراهية وازدراء لمخالفي الرأي وتنامي ظاهرة التباغض والتنابذ سواء المذهبي أو الفكري، وذلك ببثهم مقولات تنطوي على تحقير الآخر.
"ديجيتولوجيا" تاريخ موجز للزمن القادم (كتب د. خالد الغمري، مجلة لغة العصر، فبراير 2017)
صدر مؤخرا عن "دار العربي" كتاب يحمل عنوان "ديجيتولوجيا: الإنترنت، اقتصاد المعرفة، الثورة الصناعية الرابعة، المستقبل". مؤلف الكتاب هو دكتور "رامي عبود" الأكاديمي والباحث في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو واحد من أهم من يكتبون بالعربية في فلسفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. الكتاب محاولة جادة وطموحة في هذا المجال لفهم التحولات العنيفة وحالة السيولة الشديدة التي طالت كل شيء نتيجة ما يعرف بـ "الثورة الصناعية الرابعة"، أوجزها الكاتب في سلسلة من الجمل القصيرة والسريعة: "مؤسسات تظهر وأخرى تندثر، قيم تستحدث وأخرى تزول، هويات تتلاشى، إيديولوجيات تتراجع، توترات سياسية تنشأ، أمن دولي يتزعزع، فجوات اقتصادية تزداد، تنظيمات اجتماعية تُهَيكَل، بنيات سيكولوجية تتصدع، أنساق ثقافية تهتز"، والقوس مفتوح ليستقبل ما يستجد. هذه المحاولة للفهم وفك الطلاسم تكفي في حد ذاتها أن تكون إسهاما على قدر كبير من الأهمية والقيمة في مجال وليد حسب تقويم التقدم التكنولوجي والمعلوماتي. لكن الكاتب كلف نفسه بمهمة أخرى أكثر صعوبة وأخذ على عاتقه مهمة أن تصل نتائج المحاولة للقارئ غير المتخصص في مجتمعنا العربي، الذي يقف في الجانب المستهلك لمنتجات هذه الثورة. ولهذا السبب ما يزيد عن سبع صفحات في "ما بعد مقدمة" الكتاب للحديث عما أسماه "متلازمة سيبويه" والقضايا المتعلقة بإشكالية الاصطلاح العربي وحلول التعريب. وكلمة "ديجيتولوجيا" في عنوان الكتاب أفضل دليل على هذه الإشكالية. يقدم الكتاب تعريفا سريعا بالثورات الصناعية الأربعة: الثورة الأولى التي بدأت بثورة البخار وميكنة الإنتاج في القرن الثامن عشر، والثانية وهي ثورة الكهرباء التي جاءت بعمليات الإنتاج الوفير أو الهائل في القرن التاسع عشر، والثالثة وهي ثورة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات في القرن العشرين، وأخيرا الثورة الصناعية الرابعة التي تكمل مسيرة سابقتها بمزج كل التقنيات التي أنجزتها البشرية في بوتقة واحدة. ثم يستعرض الكتاب فيما تبقى من فصوله بعض تجليات هذه الثورة الرابعة بأسلوب سردي قصصي يتكئ على مجموعة من الذكريات والمواقف والحكايات، التي عاشها المؤلف، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الحكايات ذات الدلالة، لينتقل من خلالها بسلاسة واضحة إلى معلومة أو رقم تتعلق بالقضية الأساسية قيد التحليل والدراسة. وهذه الطريقة في السرد تميز الكتاب بشكل كبير وواضح، وتستحضر طريقة الكاتب الإنجليزي-الكندي "مالكوم جلادويل" صاحب The Tipping Point و Outliers وغيرها من الكتب الأكثر مبيعا على مستوى العالم والتي نجحت في شرح نتائج العديد من البحوث العلمية في مجالات مختلفة بشكل قصصي رائع وصل به إلى قاعدة عريضة من القراء غير المتخصصين. يتكلم الكتاب عن "المجال الخامس للحرب" وكيف أصبحت "الحرب بلا جبهات قتال، لا دبابات، لا قاذفات، لا مدافع، لا غواصات، لا بوارج، ولا مارينز. وإنما حرب يشنها في الخفاء جنود مجهولو الهوية، ليس لديهم سوى كيبورد وشاشة ووصلة إنترنت"، وكيف أصبحت الإنترنت الفضاء الجديد لصراعات دولية للسيطرة تذكرنا بصراعات القرن التاسع عشر للسيطرة على طرق التجارة العالمية. والكاتب يذكرنا أن "الإنترنت الذي لا ينسى" مستحضرا مقولة الراحل محمود درويش "تُنسى كأنك لم تكن شخصا ولا نصا وتُنسى"، وكيف أبطل الإنترنت ومواقع السوشال ميديا وتطبيقات الهواتف الذكية كثيرا من السرديات الشائعة والمقولات الراسخة في الوعي الإنساني، حيث لم يعد "النسيان نعمة". وهنا يحكي الكتاب قصة مبدأ "الحق في أن تنسى"، أي في أن ينسى الإنترنت من تاريخك ما لا تريده منشورا عليه. تعود القصة - حسب الكتاب - إلى إعلان في صحيفة أسبانية في ١٩٩٨ عن بيع بيت لسداد ديون مستحقة تخص محاميا أسبانيا، اكتشف في ٢٠٠٩، أي بعد مرور أكثر من عشر سنوات، أن خبر أزمته المالية ما زال منشورا في الإنترنت رغم تسوية القضية، وأن محرك بحث جوجل يظهر أزمته المالية عند البحث عن إسمه، وهذا يضر بسمعته. وبعد سلسلة من الإجراءات القانونية ألزمت محكمة الاتحاد الأوروبي جوجل بحذف روابط الخبر من محرك البحث تنفيذا لمبدأ "الحق في أن تنسى". الكتاب يركز على دور الروبوت (أو الإنسان الآلي) في الزمن القادم حيث "لم تعد هناك هوة تفصل بين العلم والقصص العلمي" وهي مقولة جاءت في أول الكتاب للجراح الأمريكي "روبرت وايت"، أول من أجرى جراحة زرع رأس وكانت لقرد. وهنا نتعرف على الروبوت "تانكونا" (وتعني "الشخص العنيد" باليابانية) الذي "تعرف" عليه الكاتب بمطار طوكيو، وكيف أنه روبوت "سئ السلوك" حيث زاحم المؤلف دوره في صفوف انتظار المسافرين، الأمر الذي جعل "المساعد الإلكتروني" الذي يرتديه الكاتب في معصمه يستدعي "شرطة الروبوتات اليابانية" للتعامل مع الروبوت المشاغب العنيد. وتفاصيل القصة كما يرويها الكاتب تلخص جانبا من طقوس ومفارقات الزمن القادم الذي بدأ بالفعل من الآن في بعض مناطق من العالم، ويظهر ذلك بوضوح في عناوين فصول الكتاب خفيفة الظل: "لو لم أكن إنسانا لوددت أن أكون روبوتا" و "مصرع روبوت" و "روبوتات بلا ياقة زرقاء"، وكأن الكاتب يجهزنا نفسيا لما هو قادم نتيجة ذلك حيث "صدمة المستقبل ما بعد البشري" و "إنسان ما بعد فوكوياما" و "فردوس الملذات الصناعية"، محاولا تجديد النظر في مفهوم "صدمة المستقبل" الذي تناوله المفكر الأمريكي "ألفين توفلر" في كتابه الشهير الذي يحمل نفس الإسم. ونحن تحت تأثير الصدمة، يزيدنا الكاتب من الشعر بيتا بالحديث عن "الموت الديجيتالي" و "ميراثنا الشرعي في أرض الإنترنت" ومصير "إسهاماتنا" في فضاء الإنترنت عندما نصبح نسيا منسيا. وقد شغلت القضية التي لفت الكاتب أنظارنا إليها كتابا آخرين، حيث صدر في مارس عام ٢٠١٦ كتاب يناقش جوانبها المختلفة للأمريكية "آبي سميث رامسي" المتخصصة في تاريخ الأفكار وتاريخ تكنولوجيا المعلومات وتأثيرها على مفهومنا للتاريخ والزمن. وهذا مصدر آخر للمتعة في كتاب د. عبود، حيث يضع القارئ بسلاسة في حالة تشبه "تيار الوعي" حيث تستدعي الأفكار شبيهاتها بتلقائية واضحة. وبما أن لكل ثورة (صناعية) رجالها ورموزها، يخصص المؤلف فصلا للحديث سريعا عن الأيقوني "ستيف جوبز"، أو "مصعب عبد الفتاح الجندلي" حيث ولد "ستيف" لأب من أصل سوري وأم من أصول سويسرية-ألمانية، قبل أن تتبناه الأسرة الأمريكية التي يحمل إسمها الذي عرف به، ثم يصدمنا الكاتب في صخرة الواقع في نهاية الفصل بقوله: "أما لو قدر لـ "ستيف بول جوبز" أن يظل "مصعب عبد الفتاح الجندلي"، فلربما انتهى به الحال إلى مكابدة مخاطر الغرق بين عشرات المهاجرين على متن زورق صيد." وبالطبع نعرف الباقي. رمز آخر أفرد له المؤلف جزءا "معتبرا" من كتابه، هو السيد "مارك زوكربيرج" الوجه الطفولي لإمبراطورية "فيسبوك"، صاحب "التجربة الرأسمالية الزوكبريجية" ليقدم لنا المؤلف "قراءة في ملامح الرأسمالية التكنولوجية" التي "تدافع عن مصالحها وتكشر عن أنيابها وقت اللزوم" وفي الوقت نفسه "تخلق مسارا جديدا للعمل الإنساني العابر للقوميات والثقافات والهويات واللغات والإثنيات والأديان." وهو موضوع يستحق أن يفرد له كتابا كاملا، فالسيد زوكربيرج وشركاؤه هم "أسياد" الموجة الجديدة من الإقطاع (الرقمي). ثم ينهي د. عبود جولته بثلاثة فصول خصصها للحديث بالتفصيل عن "غياب الشمس عن امبراطورية الورق"، وعن "موت الورق" ومن ثم "موت الجريدة" "وموت الكتاب" بشكله التقليدي المتصل بالطبيعة الورقية، وعن كيف "يصبح الكتاب الإلكتروني بنهاية الأمر ملكا متوجا على عرش المحتوى"، وبهذا ينتهي الباراديم الورقي بعد أن يستنفذ كل أسباب وجوده وتفر من قبضته مبررات استمراره الواحدة بعد الأخرى"، كما قال المؤلف. الكتاب وجبة مكتملة من المعرفة والمعلومات والحكايات، وأيضا من المخاوف والقلق من تجليات زمن قادم، نتعاطى مع كثير من أدواته لكن لا نعرف كثيرا عن خرائطه وتفاصيل مساراته التي لا أحد يعرف نهاية مطافها، ولكنها تربة خصبة للنتائج غير المقصودة والعواقب غير المتوقعة
التكنولوجيا تتسبب في الأزمات السياسية والإقتصادية
د.رامي عبود: خطورة الإنترنت في الاتصال المشفر والسوشيال ميديا
- See more at: http://elaph.com/Web/News/2016/10/1116945.html#sthash.BFBPFZDU.dpuf
حاوره محمد الحمامصي ونشر بموقع إيلاف بتاريخ 30 أكتوبر 2016:
أكد الأكاديمي والباحث المتخصص في المحتوى الرقمي ومجتمع المعرفة وفلسفة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات د.رامي عبود أن الإنترنت خلق نوعا جديدا من الصراعات فيما يسمى بالصراع "الشبكي" وأن المنطقة العربية كان لها نصيب معقول منه في السنوات الأخيرة. وقال "انعكاسات ما اصطلح عليه إعلاميا بالربيع العربي ضمن الإنترنت، أججت صور مختلفة من الصراع الشبكي بحيث تحولنا إلى بيئة تعلم مثالية بالنسبة لدول العالم التي لم تختبر بعد هذا النوع من الصراع. ولكن ينبغي التأكيد على أنه في بعض دول المواجهة مع هذا النوع من الصراع، قد لا يلعب الإنترنت دورا كبيرا في تأجيج الوضع الملتهب على الأرض أصلا، نتيجة تدني معدلات انتشار الإنترنت فيها. ففي العراق مثلا، لا تتجاوز معدلات انتشاره نسبة الـ 10% (حسب الاتحاد العالمي للاتصالات).
وأشار د.رامي في حوارنا معه حول الإشكاليات الخطرة التي تطرحها تكنولوجيا الإنترنت والتقدم العلمي على مختلف المجالات، إلى أنه "لم نعد بحاجة إلى تحريك الجيوش النظامية أو حتى تمويل ميليشيات غير نظامية من إجل إثارة وتغذية الصراع أو شن حروب بالوكالة. بل إن كل ما نحتاجه، في هذه الحالة، هو هاتف ذكي ووصلة إنترنت كي نبدأ في إثارة القلاقل والتسبب في أزمات سياسية واقتصادية، مثلا، عن طريق تغذية الشائعات أو إثارة النعرات الطائفية أو شق الرأي العام. والآن، بمجرد أن ينطلق هاشتاج محرِّض على الكراهية بين فريقين على خلفية صراع إيديولوجي أو عرقي أو سياسي، يحصل أفراد كلا الفريقين على فرصة مثالية للتنفيس عن مخلفات خطاب الاستعداء الذي يعجّ به الواقع المادي والإنترنتي على حد سواء. وهنا، تبدأ دورة الصراع في مضاعفة وتيرة حراكها وتوسيع قاعدة انتشارها، وقد يتطور الصراع من الطبيعة الكلامية السياسية إلى صراع عسكري على الأرض. نحن نتحدث هنا عن قدرة كوكب الإنترنت الموازي على زعزعة أمن كوكب الأرض. وهنا، يبرز عامل جديد في الصراع يتمثل في الفاعلية الفردية في تشكيل اتجاهات الرأي العام أو حتى في شن هجمات سيبرية.
وقال إن طرق المعالجة لهذه القضية ترتكز على ثلاثة محاور: الأول يتعلق بجمهور الإنترنت نفسه من حيث الارتقاء بوعيه بشأن التبعات المترتبة على مشاركتهم في فضاء الإنترنت وكذلك التوعية بالآداب والقيم المطلوبة، وهي مسألة تتأثر بعوامل أخرى مثل التعليم ودور الأسرة والمناخ الثقافي العام ... إلخ. والثاني، يتعلق بالسلطات المخولة بحفظ الأمن القومي من خلال الرقابة على الإنترنت ومواقع السوشيال ميديا عبر برمجيات عملاقة مخصصة للكشف عن المخاطر ذات الصلة. أما الثالث، فيتعلق بالسلطة التشريعية من أجل إنتاج منظومة تشريعات ديجيتالية بإمكانها أن تحد من أسباب تفاقم الصراع الكلامي وتجريم أية ممارسات عدائية في فضاء الإنترنت قد تهدد أمن المجتمع، لاسيما وأننا نعاني عربيا من قصور كبير في هذا النوع من التشريعات الرادعة. لكن، من المهم هنا خلق توازنات ضرورية بين مجموعة حقوق ضمنية، وهي حق الدولة في حفظ أمنها السيبري، وحق المواطن في التعبير وفي حماية خصوصيته، وحق المجتمع في حرية تداول المعلومات وحرية الوصول إليها.
نحتاج هاتف ذكي ووصلة إنترنت كي نبدأ في إثارة القلاقل والتسبب في أزمات سياسية واقتصادية
نظرية المؤامرة
وحول اتهام تكنولوجيا الانترنت والاتصالات بدعم الارهاب والتطرف والتشدد، لفت إلى أنه من أكثر الأشياء المغلوطة بشأن الإنترنت والمثيرة حقاً للتأمل، أن ثمة قطاع معقول من المجتمع العربي، يسقطون نظرية المؤامرة على مواقع السوشيال ميديا، مثل ذلك الاعتقاد السائد بأن مؤسس فيسبوك هو عميل للاستخبارات الأمريكية وأن السوشيال ميديا هي واجهة الانتقام التي صنعتها الولايات المتحدة لدعم الجماعات المتطرفة وزعزعة أمن الشرق الأوسط. وهذه السرديات نابعة من التشويش الجاسم على وعي الفرد العربي بطبيعة التحولات المنطوية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. والمدهش، إن التاريخ يكرر نفسه هنا بالذات، فقد تعرضت تكنولوجيا الطباعة لاتهامات مثيلة في بداية عصور النهضة الأوروبية. نعم، الولايات المتحدة تستغل السوشيال ميديا لخدمة مصالحها مثل أغلب دول العالم، كما تتجسس على الإنترنت داخل وخارج حدودها الجغرافية مما كشف تفاصيله مؤخرا ادوارد سنودن، لكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون ذريعة لإغلاق مجالنا المحلي أمام الإنترنت أو شيطنة السوشيال ميديا عن طريق إلقاء المسئوليته الكاملة عليها بشأن الظرف الراهن في الإقليم العربي.
الارهاب والتطرف والتشدد
وأضاف د.رامي "بالفعل استطاع الإرهاب والتطرف الإيديولوجي استغلال الإنترنت كامتداد لميدانه العملياتي. وخطورة وجود الإرهاب والتطرف ضمن فضاء الإنترنت يتجسد عموما خلال مستويين: أولا استخدام الإنترنت عموما في الاتصال المشفّر بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية، واستخدام السوشيال ميديا في التعبئة ونشر الكراهية والدعوة إلى الأفكار المتطرفة وتجنيد المجاهدين وجمع التمويلات وتلقي التدريب على صناعة العبوات الناسفة ... إلخ. ولهذا، تبذل مواقع السوشيال ميديا على مدار الساعة جهداً كبيراً لحذف أكَّاوِنتات مستخدميها المشتبه في ارتباطهم بهذه الأنشطة، ولكنها عملية مرهقة ونتائجها غير مضمونة مائة بالمائة. بيد أنني أود التأكيد على ضرورة تجاوز المقولات السائدة بشأن المستوى السابق من الصراع مع الإرهاب والتطرف، أي ضمن ما يسمى بحروب الجيل الرابع، إلى مستوى آخر وهو إمكانية استغلال الإنترنت في شن هجمات تؤدي إلى تخريب البنية التحتية المدنية، أي ضمن ما يسمى بالحروب السيبرية. وتزداد خطورة المواجهة مع الإرهاب ضمن هذا المستوى مستقبلا نتيجة التحول التدريجي في طبيعة الإنترنت إلى ما يسمى بـ "إنترنت الإشياء"، بمعنى أن كافة الأشياء في حياتنا أصبحت متشابكة سويا ككتلة متماسكة داخل الفضاء الإنترنت بحيث تدار بواسطة أنظمة كمبيوترية معقدة ومستشعرات وذكاء اصطناعي. وأعني بالأشياء هنا، كل شيء بالمعنى الحرفي للكلمة: السيارات والطائرات والمصانع والمفاعلات النووية والأجهزة المنزلية والروبوتات والآلات والأجهزة الطبية والأحذية ... إلخ. ومن ثم، يمكن توجيه ضربات بُعادِيّة عبر الفضاء السيبري إلى أهداف مختلفة على الأرض.
ومخاطر الهجمات السَيْبَرِيَّة تتجاوز مستوى الخسائر في البيانات إلى الخسائر في الأرواح في حال خروج الهجمات عن السيطرة لتصيب أهداف المدنية. لهذا، تعتبر البنية التحتية للإنترنت بمثابة أصول استراتيجية وتدخل ضمن مسائل الأمن القومي. ربما لم نشهد بوضوح هجمات سيبرية إرهابية تستهدف البنية التحتية المدنية في المنطقة العربية تحديداً، ولكن وجب التحذير. فنحن نتحدث هنا عن مستوى متقدم للإرهاب السيبري من حيث التسبب في تعطيل محطات الطاقة وسرقة البنوك وتدمير السدود والتسبب في انفجارات نووية وتعطيل أنظمة الملاحة والسواتل والتسبب في حوادث طيران ... إلخ. وهذا الأمر ليس من قبيل الخيال العلمي، فقد شهدنا مؤخرا عمليات نوعية مختلفة على مستوى العالم مثل الهجوم الشهير على إحدى محطات تخصيب اليورانيوم في إيران باستخدام برمجية خبيثة تدعى ستكسنت قيل أنها نتاج تعاون مشترك أمريكي ـ إسرائيلي. لكن، على ما يبدو أن القدرات الدفاعية العربية المتوفرة حتى الآن غير رادعة على النحو الكافي، لاسيما في ظل عدم كفاية الخبرات والكوادر البشرية المدربة على حماية الشبكات الوطنية والتصدي لعمليات التخريب مع ملاحظة أن بعض أكاديميات العالم تقوم بتدريس علوم التَهكِير لتخريج كوادر وطنية في هذا المجال. كذلك في ظل نقص قدرات تطوير آليات وأدوات سيبرية هجومية ودفاعية ضمن الفضاء السيبري، فلازلنا نعتمد على استيراد البرمجيات والأجهزة اللازمة من الخارج. لكن، حتى الحلول الأمنية ذات الصلة بفضاء الإنترنت غير كافية من دون معالجة جذور الصراع مع الإرهاب ضمن سياقات أخرى مختلفة في أرض الواقع.
استغلال الإنترنت في شن هجمات تؤدي إلى تخريب البنية التحتية المدنية
دور محوري في حسابات القوة
وأكد د.رامي أن الإنترنت عبارة عن مشترَك عالمي، ومن ثم فمن الطبيعي أن ينشأ حوله صراع دولي كذلك الذي نشأ حول مسارات التجارة في أعالي البحار في مطلع الثورة الصناعية أو ذلك الذي سوف ينشأ في المستقبل حول الفضاء الكوني. وسأبدأ سريعا بهذه الحكاية الدالة، في نهاية العام 2014 تم تَهكِير الفيلم الأمريكي the interview قبيل عرضه في صالات السينما. واتهمت الولايات المتحدة كوريا الشمالية بضلوعها خلف عملية التهكير لاسيما وأن الفيلم يسخر من الزعيم الكوري، وعليه أعادت الولايات المتحدة كوريا الشمالية إلى دول محور الشر بعد أن بدت في الأفق محاولات تهدئة بين الطرفين. فضلا عن ذلك، تمثل الهجمات السَيْبَرِيَّة الصادرة من ناحية الصين، خطراً كبيراً على المصالح الغربية، ومنها مثلا حصول المُهَكِرين الصينيين على معلومات سرية عن المقاتلة إف – 35. كما، إن الولايات المتحدة تتكبد خسائر فادحة نتيجة التَهكِير المستمر لبراءات اختراع مملوكة لمؤسساتها الاقتصادية والصناعية والبحثية. مما دعى أحد الخبراء الأمريكيين إلى وصف التجسس السيبري بأنه "أكبر كارثة استخباراتية منذ تسريب الأسرار النووية في أواخر الأربعينيات".
وأوضح "هكذا الإنترنت بات يلعب دورا محوريا في حسابات القوة ضمن الصراع الدولي، وهناك لاعبون أساسيون ضمن الفضاء السيبري منهم، مثلا الولايات المتحدة والصين وروسيا. فمن يستطيع تهديد أمن الإنترنت واستقراره، أولاً، يستطيع التأثير في صناعة القرار السياسي العالمي، تالياً. وعلى غرار صعود قضية أسلحة الدمار الشامل بعد انتهاء الحرب الباردة، تحتل قضية الأمن السَيْبَرِيَّ الآن أولوية شديدة على أجندة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وعديد المؤسسات المحلية والدولية. لهذا تجد أن بعض الدول ذات التأثير في الصراع السيبري مثل الصين تستبسل بشدة في مواجهة الضغط الأمريكي من أجل الحيلولة دون دمجها ضمن فضاء الإنترنت العالمي. والولايات المتحدة اضطرت مؤخرا للدخول في حوار مباشر مع الصين لوقف الهجمات السيبرية على المؤسسات الأمريكية، ولكن دون جدوى. فالصين في ذاتها تمثل إنترنت موازي ومغلق وترى نفسها أكبر من الإنترنت، حيث أغلقت مجالها الجغرافي في وجه الإنترنت وكذلك لديها مواقعها الخاصة للسوشيال ميديا ومحركات البحث الخاصة وتطبيقاتها الهاتفية الخاصة. بل إنها تحرض الدول الأسيوية ضد ما تعتبره محاولة الهيمنة على فضاء الإنترنت من قبل الولايات المتحدة.
إغلاق المجال الوطني
وقال د.رامي أن مسألة إغلاق المجال الوطني أمام الإنترنت تذكِّر بمسألة طريفة ضمن سياق آخر، لعلك تتذكر أن البث المباشر لكأس العالم لكرة القدم في التلفزيون الإيراني، عادة ما يتأخر لبضعة ثواني تمنح التقنيين في محطة التليفزيون فرصة كافية لحذف أو تغطية مشاهد لايف منقولة من المدرجات لمشجعين ربما يرتدون ملابس "خادشة للحياء"، طبعا من منظور الثقافة المحلية هناك. لذا فهي مسألة كلاسيكية لا تتفق مع طبيعة الإنترنت الحداثية. كما أنها ليست بهذه البساطة من حيث الإجراءات والتبعات والفاعلية. وإغلاق المجال هنا يتخذ عدة حالات، منها فصل الشبكات الوطنية الداخلية عن شبكة الإنترنت العالمية، كما في حالة الشبكة الداخلية الصينية ومشروع الإنترنت الوطني الذي أعلنت عنه إيران مؤخرا، لفرض مزيد من الرقابة على مستخدمي الإنترنت داخل الدولة وكذلك الحفاظ على الأمن الوطني السيبري والحد من التجسس على البيانات الوطنية. وقد يتخذ إغلاق المجال صيغة مؤقتة أو جزئية منها مثلا ما أقدمت عليه تركيا من حجب يوتيوب في أراضيها لحين استجابة الأخيرة لطلبها بحذف مقاطع فيديو معينة، ومنها أيضا حجب مواقع السوشيال ميديا بصفة مطلقة داخل إيران، وكذلك حجب بعض مواقع الوِب لأسباب سياسية أو أخلاقية بواسطة تقنية البروكسي proxy في بعض دول العالم. وما يجعل الأمر غير فعّال هو إمكانية تفادي البروكسي أو استخدام الإنترنت بصورة مشفّرة بعيدا عن عيون الرقباء أو بصورة مخفيّة عبر الإنترنت المظلم بعيدا عن الإنترنت التقليدي. كما إن إغلاق المجال الوطني مطلقاً في وجه الإنترنت أشبه بالوجود خارج الزمن، فلدينا كوريا الشمالية مثلا نموذجا فجّاً للبلدان التي تتيح شبكة داخلية محدودة الخدمات وتلقي القبض على المتصلين بالإنترنت. إلا أن ذلك لم يتغلب على رغبة المواطن الكوري في الانوجاد في فضاء الإنترنت حيث يضطر إلى الذهاب حتى الحدود الجنوبية والاتصال خلسة بالإنترنت عن طريق شبكات الموبايل الخاصة بالجارة الكورية.
وكشف د.رامي أن قضية إذابة الحدود الفاصلة بين الإنسان والآلة، التي عالجها في كتابه الأخير"ديجيتولوجيا" ليس خيالا علميا بحتا، وإنما مسار بحث علمي جاد في العقود الأخيرة. وقال "في المستقبل، سوف يتداخل ما هو بيولوجي وما هو آلي إلى حد لا يمكن التمييز بين كل منهما. ومن ثم، نكون بصدد صورة أخرى من صور الوجود الإنساني وقطيعة حتمية مع الطبيعة الإنسانية السائدة. ومجالات البحث المعنية بهذا الأمر عديدة، مثلا لاحظنا أخيرا نجاح عمليات تركيب أطراف تعويضية آلية وأعضاء غير بيولوجية عبر توصيلها مباشرة بالجهاز العصبي للإنسان. كما نجحت مختبرات البحث في إنتاج نماذج أولية من روبوتات ذكية تعمل بواسطة مخ فأر معزول ومستنبَت داخل حاوية مستقلة. حسب الباحثين القائمين على هذا المشروع، أنه في كل مرة يتم استبدال المخ المستخدم بآخر، فإن سلوك الروبوت يتغير حسب طبيعة المخ الجديد. كذلك، نحن نتحدث عن ظهور روبوتات هِيُومَنْدِيّة في المستقبل، والتي تشبه البشر من حيث الشكل الخارجي والوظائف الداخلية بحيث يصعب التفريق بينهما، وهي قادرة على محاكاة الحواس البشرية، بل والتناسل، ولكن ليس على طريقة تناسل البشر بالتأكيد. وهي أمور تسهم جميعا في إعادة تشكيل مفاهيمنا التاريخية بشأن طبيعة وجودنا، فعلى سبيل المثال، بظهور روبوت أنثى هِيُومَندِيّ، تصبح مركزية المرأة والأسرة في المجتمع موضع تهديد. فضلا عن ظهور تغيرات إرهاصية في التكوين الاجتماعي والسيكولوجي للإنسان المعاصر في علاقته بالآلة، فمثلا ثمة روايات متواترة عن إقدام بعض الجنود الأمريكيين على المخاطرة بأنفسهم في ميدان المعركة من أجل إنقاذ روبوتات تستخدم في تفجير الألغام أو التجسس على الخطوط الأمامية للعدو. النقطة هنا، سوف تفرز الثورة التكنولوجية سرديات ومفاهيم مستقبلية مغايرة تماما لما هو سائد الآن. ومن ثم، علينا البدء في الاستعداد للمستقبل والتكيف معه وإلا أُصبنا بصدمة حقيقية في المستقبل.
وأكد أن معدلات انتشاره عربياً تقترب من المعدلات العالمية. ومن ثم لا يمكن النظر إلى الظواهر العربية المنبثقة عن الإنترنت بمعزل عن جذورها في المجتمع الدولي. فالكتلة البشرية الهائلة من مستخدمي الإنترنت (أي ما يقترب من نصف سكان العالم)، باتت تشكل عالم موازي للعالم المادي أو حيز عام دولي عابر للجغرافيات والقوميات والإثنيات واللغات والإيديولوجيات، بحيث يدفع بقوة الجماعات المحلية على امتداد جغرافية الأرض نحو صور مختلفة من التغيير. وهنا، تكمن تجليات الصراع الأمر الذي يخلق بدوره ظواهر وتحولات جديدة، ضمن سياقات عديدة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وهوياتية وإيديولوجية .. إلخ.
الظواهر المؤثرة للانترنت
ورصد د.رامي لأبرز الظواهر المترتبة على انتشار الإنترنت عربيا، ولخصها بما يلي:
أولا: انتشار اللهجات العاميّة في الفضاء الثقافي الرسمي لاسيما النصوص المكتوبة، وتصاعد الرغبة في إحياء الهويات التاريخية والحضارية القديمة لسكان الشرق الأوسط. وكلاهما يأتي كمظهر من مظاهر التحلل من الموروث والتمرد على التقاليد أو في إطار نقد مركزيات الثقافة المحلية نتيجة اصطدامها بالثقافة العالمية عبر الإنترنت. فقد ساعد الإنترنت في إعادة تشكيل الوعي الفردي، بحيث أعاد صياغة تصوراتنا عن الذات والآخر والوجود. وهنا، باتت طبيعة إنسان الإنترنت وردود أفعاله، تختلف عنها في حالة إنسان ما قبل الإنترنت. كما أدخل الإنترنت مفاهيم ومعاني جديدة إلى مجتمعنا المحلي وأعاد تشكيل مفاهيمنا وقيمنا السائدة. وهنا، ظهرت أيضا بوضوح مفاهيم حرية التعبير وحرية تداول المعلومات، وانتقلت ممارساتها من الفضاء الشبكي إلى أرض الواقع. كذلك، استطاع الإنترنت نشر آلية التفكير النقدي، مما أزاح المتلقي السلبي وأقام محله متلقي آخر قادر على التأثير في الحدث، لاسيما في ظل استغلال أدوات السوشيال ميديا في خلق رأي عام جديد. وهناك ظاهرة أخرى تتمثل في مشاركة جمهور التلقي في تشكيل الرسالة الإبداعية أو النص، عبر التأثير الآني للمتلقي في صناعة النص وإعادة تشكيله عن طريق التفاعل معه.
ثانيا: نشهد ظاهرة تلاشي الإعلام الجماهيري نتيجة قدرة جمهور الإنترنت صناعة إعلامه المستقل والفردي في السوشيال ميديا ككيان إعلامي موازي، لاسيما بعد تدشين خدمة الفيديو المباشر في فيسبوك ويوتيوب وغيرها. وبالتوازي حدثت ظاهرة أخرى تتمثل في إزاحة وإحلال النخب التقليدية، فظهرت فئات نخبوية جديدة في المجال العام، لاسيما من نطلق عليهم متَنَفِّذِي أو نجوم السوشيال ميديا. وتمكن جمهور الإنترنت من صناعة خطابه الخاص في مواجهة الخطاب السائد والرسمي، والحصول على فرص متساوية لتدافع الرأي داخل المجال العام. ولهذا، لم تعد تنطبق صفة "الجماهيري" على مؤسسات الإعلام التقليدية في عصر باتت تنطبق عليه حقاً مقولة "لكم إعلامكم وليَ إعلام". والحق، ليس هناك سلام حقيقي بين إعلام الإنترنت وما تبقى من الإعلام التقليدي.
ثالثا: بدأنا نلاحظ ظواهر ناتجة عن ارتطام موجات الضغط الصادرة من الإنترنت بالمنظومات الاجتماعية السائدة والبنيات الداخلية المستقرة والمؤسسات التقليدية. وأبرز مثال على ذلك، هو عملية الإزاحة التدريجية لمؤسسة النقل التقليدية بواسطة تطبيق أوبر الشهير والتهديد بانقراض التاكسي. وهذه المنافسة تحديدا أدت إلى ظاهر انعكاسية تمثلت في سعي شركات التاكسي في منطقتنا العربية إلى مراجعة معاييرها وخفض تكلفة النقل ورفع جودة خدماتها، من أجل تدارك خسائرها بعد ظهور أوبر. وعلى مستوى الأسرة، تراجعت سلطة الأبوين في مقابل سلطة الإنترنت في تشكيل وعي وهوية الأبناء. أعني على وجه الخصوص أطفالنا الذين استطاعوا تشكيل فضاءهم الاجتماعي الموازي داخل الإنترنت، والحصول على استقلالية مبكرة وتحرر من نفوذ العادات والتقاليد الأسرية. فتجدهم على سبيل المثال لا يتوجهون إلى الأبوين بالتساؤلات المختلفة التي تشغلهم في مرحلة الطفولة كما هي العادة، وإنما إلى "سيري" مثلا وهي برمجية خاصة بأجهزة أبِل عبارة عن مساعد ذكي يتحدث ويفهم اللغة المحكية الطبيعية. وهكذا فإن مجال رصد هذه الظواهر واسع جدا ويحتاج إلى تعاون الباحثين من قطاعات علمية عديدة. ولكن النقطة الأهم هنا، إن تلك الظواهر وغيرها، والتي تأخذ صور مختلفة من التنافس أو حتى الصراع العنيف أحيانا، هي انعكاس لصراع آخر خفي ومتعالي، أعني الصراع فيما بين نموذجين للوجود أو نسقين فكريين، أي الباراديم الصناعي والباراديم ما بعد الصناعي، وكلاهما انبعثا بالتزامن مع ملحمة تحول المجتمع العالمي من مجتمع صناعي إلى مجتمع معرفة.
يذكر أن د.رامي عبود أصدر العديد من الدراسات منها "نحو استراتيجية عربية لصناعة المحتوى الرقمي"، و"المحتوى الرقمي العربي على الإنترنت"، و"الكتب الإلكترونية"، و آخرها "ديجيتولوجيا: الإنترنت.. اقتصاد المعرفة.. الثورة الصناعية الرابعة.. المستقبل" الصادر عن دار العربي.
- See more at: http://elaph.com/Web/News/2016/10/1116945.html#sthash.BFBPFZDU.dpuf