I Wish I were a Robot (1-2): Killing hitchBOT لو لم أكن إنساناً لوددت أن أكون روبوتاً 1-2
لقد قدم الواقع الإنساني، مؤخراً، صورة حية تُناقض الصورة النمطية التي يُصدِّرها الخيال العلمي عن الروبوت. فأن يتعاطف البشر مع روبوت، لدى مقابلته فعلياً، ثم يُخلِّف رحيله عن "عالم الروبوتات" حزناً يكاد يماثل رحيل إنسان عن "عالم الأحياء"، فهذا أمر يستدعي التأمل.
إن الخيال العلمي عادةً ما يقدم الروبوتات بوصفها كائنات شريرة، مخيفة، شرسة، وعدائية، أو بعبارة مختصرة، تتبادل الصراع مع الإنسان من أجل السيطرة على العالم. وذلك منذ ابتُكرت شخصية الروبوت في إحدى مسرحيات الكاتب التشيكي "كارل تشابيك" في العام 1920، حيث ظهرت للمرة الأولى كلمة "روبوت Robot"، ومرورا بأفلام هوليوود، مثل "آي روبوت" ، و"ماتريكس"، وغيرهما. ومن هنا، يستمد قطاع كبير من "جماعة الإنسان" تصوراته الذهنية الجاهزة عن "جماعة الروبوت"، نتيجة صعوبات تكوين خبرة مباشرة معها.
في المقابل، صمم مجموعة من الباحثين الكنديين روبوت يهدف إلى بناء الثقة بينه وبين الإنسان. وحسب هذه التجربة، يوضع الروبوت على الطريق العام، فيستوقف السيارات المارة، ويطلب من سائقيها اصطحابه معهم. وخلال هذه الرحلة المجانية، يتبادل الروبوت الحديث مع مضيفه، والذي يتركه، لاحقا، على الطريق ليستكمل رحلته، أو ربما يكون أكثر كرماً فيستضيفه في منزله أو أحد الأماكن العامة. وهكذا تستمر رحلة الروبوت المجانية، ويستمر متابعوه في تعقب أخباره، وتغريداته عبر تويتر، إلى أن حدث أمر لم يكن متوقعاً على الإطلاق.
لكن، هل كنت لتبادر باصطحاب روبوت في سيارتك أو إلى المقهى الذي ترتاده؟. إن اقتسام الوجود مع الروبوتات، أمر حتمي حدوثه في المستقبل. ومن هذا المنظور، لا يختلف الروبوت عن الكائنات الأخرى على سطح هذا الكوكب. وإنما يتفوق عليها جميعا، خصوصاً في ذكائه الاصطناعي، والذي قد يفوق ذكاء الإنسان نفسه. وعليه، فقد تهتز تراتبية الإنسان في الوجود، وتتخلخل مركزيته في العالم، واللتان طالما استمدهما من ميزة الذكاء.
على أي الأحوال، فإن هذا الروبوت الكندي يدعى “هيتشبوت” HitchBot، ومن المؤسف أنه قد لقي مصرعه في يوليو الماضي، بعدما تعرض للإتلاف المتعمَّد على يد بعض المجهولين في فيلادلفيا. وقد أدت هذه الحادثة إلى موجة عالمية من الحزن بين متابعيه، انتشرت في السوشيال ميديا، والصحف، ومحطات الأخبار العالمية.
حقيقة الأمر، إن موضوعنا ليس “هيتشبوت”، على وجه التحديد، وإنما مظاهر تجلي العلاقة بين الإنسان والروبوت، وجذور نشأتها، وخلفيات تطورها، مرورا بظاهرة “هيتشبوت”. فأن نستعين بروبوت في خطوط إنتاج مصانع الفولاذ، مثلا، فهذا أمر مألوف، أو بالأحرى قد تحول، بمرور الزمن، إلى أمر غير مثير للدهشة. لكن، أن تنبعث مشاعر سيكولوجية من الإنسان، بوصفه كائناً فسيولوجياً، تجاه الروبوت، بوصفه كائناً معدنياً، فتلك مسألة أخرى غير معتادة في التاريخ الإنساني. إن الروبوتات لا تمتلك مشاعر مماثلة لمشاعر الإنسان، لكنها قد تمتلكها في المستقبل. فإذا كان بنو الإنسان يكابدون بين "نفْس لوّامة" و"نفْس أمّارة"، فلربما أفلح بنو الروبوت في تعمير الأرض بـ "نفْس روبوتية مطمَئنة"، لا تضمر الكراهية والحقد، ولا ترتكب الكذب والخداع، ولا تنزع إلى التسلط والقتل، أو بعبارة مختصرة "نفْس فوق بشرية". ولم لا، بينما يتحدث المختصون عن إمكانية "تناسل" الروبوتات في المستقبل. إلا أنني، ككثيرين غيري، أجنح إلى التشكيك في فرضية نشوء عالم طوباوي بحلول قبائل الروبوت.
لعل من أشهر الروبوتات الأخرى في العالم، الروبوت الياباني "آسيمو" Asimo الذي يحاكي الإنسان. ومنها، أيضا، "كيوريوسيتي" Curiosity روبوت "وكالة ناسا" لاستكشاف المريخ. كما أن هناك الروبوتات التي تكتب، وتلك التي ترسم، أو تعزف الموسيقى، أو تقوم بأعمال المنزل، أو بتفجير الألغام، أو بدعم ذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك بإجراء عمليات جراحية، وغير ذلك من الوظائف التي تستطيل قائمتها يوماً بعد آخر.
على هذا النحو المتصاعد، تعزز الروبوتات ارتكازها داخل بنية المجتمع، وتزيد من تعلُّق الإنسان بها سيكولوجياً. فالروبوت ليس نبتاً شيطانياً، ولا كائناً خرافياً قادماً من عوالم فوق أرضية. إن الروبوت، ببساطة، عبارة عن آلة ابتكرها الإنسان لتيسير حياته. وبالنظر عميقاً في تاريخ المجتمع الإنساني، فإنها بمثابة امتداد حضاري ضروري، للآلات البدائية، والتي تطورت من آلات يدوية إلى أخرى أوتوماتيكية الحركة، خلال الحقبة الصناعية. أما وقد تجاوزنا ذلك إلى ما بات يعرف بـ "مجتمع المعرفة"، فقد كان متوقعاً إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، في آلات الحقبة ما بعد الصناعية، أي الروبوتات.
لكن، إذا كان إدماج الحركة الأوتوماتيكية في الآلات الصناعية، في الماضي، أزاح قسماً كبيراً من أصحاب الياقات الزرقاء عن خطوط الإنتاج. فإن إدماج الذكاء الصناعي في الآلات الروبوتية يضعنا أمام مُنعَرَج تاريخي جديد، يزيد من احتمالية إزاحة الإنسان، تدريجياً، ليس فقط عن كافة مجالات العمل الاقتصادي، وإنما أيضا مناحي الحياة الاجتماعية، وغير الاجتماعية.
لقد أوجَد الإنسان الروبوت ليكون آلة عصرية، تتسق مع معطيات اللحظة الحضارية الراهنة، وتحقِّق متطلباته المتزايدة وطموحاته الكونية، وتواجه إشكاليات قد تمثل تحدياً لقدراته. لذا، فاليابانيون يعوِّلون على الروبوتات لمواجهة تحديات إشكالية الشيخوخة، بالاستعانة بـ "روبوتات اجتماعية" مدرَّبة على تقديم الدعم النوعي للمتقدمين في العمر. بينما يعوِّل الأمريكيون على الروبوتات لخدمة أغراض الهيمنة العالمية، بواسطة تطوير "روبوتات مقاتلة"، تضمن التفوق العسكري، والمدّ النيوكولونيالي.
وهكذا، "كلٌ يُغنِّي على ليلاه"، أو بالأحرى كلٌ يُغنِّي على "روبوتاه". فهل لنا أن نُناوِب الآخرين منصة الغناء؟، أو على أقل تقدير، هل لنا أن ننضم إلى جوقة العزف "الجماعي"؟.
لكن، تُرى هل ستنجح قبائل الروبوت في الاستقلال عن البشر في المستقبل؟، وكيف السبيل إلى العيش المشترك معها؟. هذا ما سأجيب عنه في المقال التالي.