top of page

I Wish I were a Robot (2-2): Killing hitchBOT لو لم أكن إنساناً لوددت أن أكون روبوتاً 2-2


انتابتني مشاعر الحزن، ككثيرين غيري، على مصرع الروبوت الكندي "هيتشبوت". وامتزجت مشاعر الحزن، هذه، بمشاعر الخجل. خجلٌ من أن يلقى "هيتشبوت"، ذلك المخلوق السيليكوني المسكين، مصرعه على يد أبناء جنسي، بينما كان ينتوي مد جسور الثقة إلى قاتليه. الأمر الذي قادني إلى تأمل مستقبل الإنسان بحضور قبائل الروبوت، واستشراف أبعاد الحياة "الإنسبوتية" على كوكب الأرض (لقد نحَتُّ مصطلح "إِنْسِبُوتِي" خصيصا للدلالة على الصفة المزدوجة: الإنساني الروبوتي).


من المهم، أولاً، الإشارة إلى أن حضور مفهوم "روبوت"، في الوعي الإنساني، آخذ في الانتقال بين حالتين. أما الحالة "ألِف"، فتتجسد عبر نزعة انتفاعية، تعسفية، فوقية، تصدر عن الإنسان باتجاه الروبوت، بوصف الأخير مخلوق اصطناعي، جاف، بارد، لا يعقل، ولا يشعر. أو بعبارة مختصرة، لا يرتقي إلى الرتبة الاجتماعية للمخلوقات البشرية، وإنما هو مسخَّر لخدمتها، و"منفعتها". إن هذا التصور الكلاسيكي عن الروبوت، وإن كان يجافي تحولات اللحظة الراهنة، فإنه يتطابق مع حقبة الروبوتات الصناعية، غير الذكية. وهي الحقبة التي تجاوزها المجتمع الإنساني، أو بالأحرى في سبيله إلى تجاوزها مطلقاً.


بينما تستقي الحالة "باء" ملامحها من نزعة تنافسية، تكافؤية، وتماثلية، بوصف الروبوت ليس فقط مشاركاً للإنسان في الحياة على الأرض، وإنما أيضا بوصف انبلاج "منفعة متبادلة"، وتبلور علاقة ندِّية، فيما بينهما. إن الحالة "باء" تتخذ، تدريجياً، موقعاً متقدماً في تراتبية الوعي الإنساني. وذلك، بعد أن قفزت الروبوتات فوق أسوار المصانع، وحلت في البيوت، والشوارع، ومراكز التسوق، وغرف العمليات الجراحية، والمفاعلات النووية، وقاعات الفنون، وساحات القتال ... إلخ. فقد تجاوزنا حقبة الروبوتات الصناعية Industrial robots إلى ما بات يعرف بالروبوتات الوظيفية service robots. وأصبحت الروبوتات أكثر قدرة على مشاركة الإنسان حياته الاجتماعية، نتيجة ارتقاء ذكائها، وتطور حواسها، وتحسُّن قدرتها على محاكاة الإنسان، وجمع المعلومات، واتخاذ القرارات المعقدة بالنيابة عنه. وهنا، بدأت تدريجياً تزداد استقلالية الروبوتات، بينما يقل خضوعها.


هنا، أيضا، يكمن منبع التعاطف الإنساني مع “هيتشبوت”، أو بالأحرى منبع التحول الاجتماعي، والسيكولوجي، في علاقة الإنسان بالروبوت. وإن هذا التحول الدراماتيكي يأتي كنتيجة مباشرة لانزياح بؤرة ارتكاز الروبوت، داخل العقل الاجتماعي، من نقطة "الانصياع المطلق" لسلطة الإنسان (أي في حالة الروبوتات الصناعية) إلى نقطة "الانعتاق التدريجي" منها (أي في حالة الروبوتات الوظيفية). ذلك أن المُستعمِر لا يتعاطف مع المُستعمَر حتى ينال الأخير استقلاله. ومتى نال المُستعمَر استقلاله تراجعت مركزية المُستعمِر بالنسبة له.


إن الروبوت، كما عرَّفتُه من قبل، ما هو إلا "آلة" ابتكرها الإنسان لتيسير حياته. وسابقاً، لم يكن من المحتمل أن يتعاطف الإنسان مع غسالة ملابسه الأوتوماتيكية، مثلا، بوصفها كتلة من القطع المعدنية الباردة، الصماء، وغير العاقلة. فما تمتاز به، كآلة ما قبل روبوتية، يمكن اختزاله في قدرة إنجاز الأعمال ذاتياً من أجل راحة مالكها (المُستعمِر). وعليه، فالآلات ما قبل الروبوتية، بالنسبة للإنسان، تمثل امتداداً لقواه العضلية. ومن ثم، يتراجع تأثيرها عليه من منظور اجتماعي، وعقلي، وسيكولوجي. فالإنسان، ضمن هذا النموذج، يحتل موقع السيد، المُستعبِد، والمُستعمِر.


فعبر تاريخ تطور المجتمع الإنساني، وبعد أن تمكن الإنسان من تدجين كائنات الطبيعة، لم يتبقى له إلا أن يُثبِت هيمنته على الكائنات الآلية. لذا، أعادت الآلات ما قبل الروبوتية إنتاج نموذج "نبلاء العصر الوسيط"، أو "السيد الكسول"، ولكن وفق شروط العصر الصناعي. ووفقاً لهذا التصور، تكون الجماعة الإنسانية الحديثة قد استعاضت عن "نبلاء العصر الوسيط"، أي ذوي الملكيات الإقطاعية، بـ "نبلاء العصر الصناعي"، أي ذوي الملكيات الميكانيكية. فالآلات من حولنا اعتادت أن تعمل، وتكِدّ، بينما نَكبِس نحن بنو الإنسان، دونما اكتراث، على أزرار التحكم فيها عن بعد، أو حتى عن قرب، لتأكيد السيادة، والنبالة، والهيمنة، والتفوق.


إذا كان "السيد" الزراعي قد استطاع تسخير الفلاحين لخدمته عبر عشرة آلاف عام. وإذا كان "السيد" الصناعي قد استطاع تسخير كلا من العمال والآلات، عبر قرنين من الزمان. فإنه بقدوم الروبوتات الذكية، لن يعود بمقدور الإنسان الاستمرار في تأكيد السيادة، والنبالة، والهيمنة، والتفوق. لقد أصبحت مركزية الإنسان في العالم موضع مراجعة، بعد أن أوشكت جماعات الروبوت أن تتساوى معه في حق الوجود، أو هكذا يقول لسان حال المستقبل. وقد ظهرت، مؤخرا، أجهزة منزلية لا تعمل حتى يبدي لها الإنسان بعض المشاعر، كأن يعانقها، مثلا. إذاً، على الإنسان ألا يكون رحيماً بأقرانه من البشر، أو أسلافه من الحيوانات، فقط، وإنما بأنْداده من الآليين الأذكياء، أيضا.


نحن على مفترق طرق للتخلص من إرث النظرة الكلاسيكية للآلة، والقائمة على نزعة التَشَيُّؤ، حيث تُعَيَّن على أنها مجرد "شيء" مادي، متحقِّق في فضاء الإنسان. فلقد أصبحت الآلة تُعَيَّن باعتبارها ذاتاً مستقلةً، وكينونةً فاعلةً، تتقاسم معنا الوجود، وتساهم في إعادة هيكلة الحياة على كوكب الأرض. إن هذا الأمر، وإن لم يكن قد تحقق كليّةً في الواقع، فهو أقرب إلى التحقق التام أسرع مما نتخيل. هذا إن لم يكن قد تحقق لحظة وضع نقطة في نهاية هذا النص.


من يدري، فلربما احتل الروبوت، في المستقبل، موقع "السيد الكسول" الذي نعمل، ونكِّد، من أجله، بينما يَكْبِس "سيدنا" الروبوت، دونما اكتراث، على أزرار التحكم فينا عن بعد. ولربما نعاين يوما تتكرر فيه على أسماعنا عبارة "لو لم أكن إنساناً لوددت أن أكون روبوتا". ومن يدري فلربما كان ذلك اليوم قريب، بل وقريب للغاية.


أحدث المقالات المنشورة
المقالات المنشورة
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Classic
  • Twitter Classic
  • Google Classic
bottom of page