top of page

The Fifth Dimension of Warfare (1-3): Internet Attacks in Black and White المجال الخامس للحرب (1 -




أوشكَت المشكلة أن تقع بالفعل، ذلك اليوم، لولا أن تداركها المُتَدَارِكون. فمع بداية الألفية الجديدة، وفي ظهيرة يوم اعتيادي من أيام العمل في الجامعة الأمريكية، وتحديداً بإحدى القاعات التي يرتادها الطلاب، كنت أجلس خلف مكتبي المطل على مجموعة من الكمبيوترات المتصلة بالإنترنت. في تلك القاعة الآمنة من صخب المدينة، يعدُّ السكون طقسٌ مقدسٌ، لا ينقطع إلا بحلول أمرٍ مريب.


كنت أراقب القاعة، بحكم عملي، فلاحظت دخول طالب عربي، دون العشرين، نحيف الجسد، هادئ الطباع، لا يقدِم البتة على ما قد يستثير الريبة في نفوس الحاضرين. جلس بمحاذاتي، خلف إحدى الشاشات المُطِلَّة على عالم الإنترنت "السحري". ثم، أخذ يتقدم، شيئاً فشيئاً، داخل كابلات الإنترنت، بينما تُتَكْتِك أصابعه المحترفة بسرعة ملفتة على صفحة الكيبورد. بدا وكأنه يمضي في خِفَّة "فارس" عربي، يشُقُّ بحصانه صفوف الحروف وتشكيلات الأزرار (أو هكذا بدا فارساً في نظري حتى تلك اللحظة). ولم تمر دقائق حتى انقطع حبل السكون، وانقلبت القاعة رأساً على عقب.


رنَّ هاتف مديرة القاعة، رنيناً ملحاحاً، فما أن أغلَقت مكالمتها المقتضبَة، حتى توجهَت على عجلٍ صوب فتى الإنترنت، فتَبِعتُها مهرولاً، بينما يسبقني فضولي. وجدتها تُعنِّفه على أمر لم أكن أدركه حتى تلك اللحظة. وفجأة، اقتحم باب القاعة اثنين من موظفي الجامعة، وطلبوا منه التوجه معهم، وكأنما ألقي القبض عليه متلبساً في فيلم هوليودي. أثار هذا المشهد الدرامي غير المألوف، في نفسي، سلسلة من التساؤلات التي عثرت على إجاباتها، لاحقاً، وملخصها أن فتى الإنترنت حاول اختراق شبكة الجامعة، مما يَحتمِل تخريبها. وقد اكتشف الموظفون التقنيون الأمر، لحظة حدوثه، وتعرفوا عن نقطة الاختراق، ثم تتابعت الأحداث.


في ذلك الزمن القديم، كانت الإنترنت لا تزال بمثابة عالم غامض بالنسبة لغالبية سكان الأرض. لعلي أصف الزمن، إذّاك، بـ "القديم" لأن أزمنة التكنولوجيا الكمبيوترية تتقادم بوتيرة أسرع بكثير من أزمنة أي تكنولوجيا أخرى مضت في تاريخ تطور المجتمع الإنساني. على أي حال، كانت الشبكات غالباً ما تُخترق من قِبل مهَّكِرِين hackers هواة (اقترح مُهَكِّرين أو هُكَّار، والمفرد مُهَكِّر أو هَاكِر، كبديل لمصطلح "القراصنة الإلكترونيين" لعدم دقته الدلالية)، بهدف إثبات الذات، والتباهي بمقدرتهم على كشف مواطن ضعف الأنظمة الكمبيوترية، وبمهاراتهم الفائقة في سبر أغوار العالم السيبراني، الآخذ في التشكل، وقتئذ. كما قد تأتي الاختراقات السيبرانية كرد فعل، لاحق، على فعل عدائي، سابق، كان من شأنه المساس بالانتماءات الإيديولوجية، أو الإثنية، أو الوطنية، أو السياسية. فقد حدث، منذ عدة سنوات، أن قامت جماعات مدنية من المهَّكِرِين الصينيين بهجوم سيبراني مضاد على أهداف سيبرانية إيرانية، كرد فعل على إقدام مهَّكِرِين إيرانيين بشن هجوم سيبراني مباغت على أبرز محركات البحث الصينية.


أما في زمننا المتأخر، هذا، فإن الشبكات الوطنية، والأجهزة الكمبيوترية، والهواتف الذكية المملوكة من قِبل المؤسسات والأفراد، على حد سواء، تُخترق بواسطة مهَّكِرِين محترفين، وليسوا هواة. فهم عادةً ما ينتظمون إما في جيوش وطنية عَسْبَرِيّة (نحتُّ مصطلح عَسْبَرِيّ خصيصاً للدلالة على الصفة المزدوجة العسكري السيبراني) تتبع السلطة المركزية للدولة، أو في ميليشيات مدربة على التسلل عبر كابلات الإنترنت، وتدمير أهداف معلوماتية خلف خطوط إنترنت العدو، وحوائط دفاعه السيبرانية. بهذا، تحولت بعض جماعات الاختراق السيبراني من "أخوية فرسان"، تعتنق أهداف نبيلة، ووطنية، إلى جماعة مرتزقة، تؤجِّر قدراتها السيبرانية المدمرة لمن يدفع أكثر. وذلك، في إعادة إنتاج لنموذج الميليشيات غير النظامية، أو القتَلَة المأجورين.


إذاً، فالاختراقات السيبرانية، في ذلك الزمن القديم، غالباً ما كانت تُشبِع روح المغامرة، أو تضمن تدفق مزيد من الأدرينالين إلى أدمغة المراهقين. أما في عالم الكبار، فقد باتت أعمال التَهْكِير تتخذ صوراً جديدة أكثر خطورة، وإرهاباً، من أي زمن مضى عبر تاريخ الإنترنت، والذي لم يتجاوز عدة عقود خلت. إن انتقال جماعات الاختراق السيبراني من جماعات هواة إلى جماعات تخريب منظَّم، ومتعمَّد، دعى "وليم لين" William J. Lynn، نائب وزير الدفاع الأمريكي، في العام 2010، إلى التصريح رسمياً بأن الفضاء السيبراني أصبح بمثابة المجال الخامس للعمليات العسكرية، بالنسبة للولايات المتحدة، بعد البر والبحر والجو والفضاء.


بالأخير، بات كوكب "الإنترنت" يكابد ممارسات الاعتداء الفيرشوالي virtual والإرهاب السيبراني، بما لا يقل أثراً عن المخاطر الموازية التي يكابدها كوكب "الأرض" جرَّاء الاعتداء العسكري والإرهاب الإيديولوجي. لهذا، تمنيت لو توقفت حركيَّة التاريخ عند اختراقات "الزمن الجميل"، حيثما كانت الاختراقات السيبرانية لا تزال بنكهة الأبيض والأسود، وقبل أن تتلون بنيران الحقد والكراهية. بل، وتوشك أن تتسبب في حرب عالمية ثالثة، لكنها حرب، هذه المرة، بلا دبابات، لا طائرات، لا قاذفات، لا مدافع، لا غواصات، لا بوارج، ولا "مارينز". وإنما حرب اختزلت أسلحتها في كيبورد، وشاشة، ووصلة إنترنت.



أحدث المقالات المنشورة
المقالات المنشورة
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Classic
  • Twitter Classic
  • Google Classic
bottom of page