top of page

The Fifth Dimension of Warfare (3-3): The Symbolism in Lord Nelson’s Sword and Hacking Behind Enemy


في ذروة الحرب الباردة، وتحديداً في العام 1982 وقعت واحدة من أوائل ما يُطلَق عليه القنابل المنطقية logic bombs. فقد عبثت المخابرات الأمريكية، حسبما ورد في الإيكونوميست، في برمجيات التحكم في معدلات الضخ بأنابيب الغاز السوفيتية بسيبيريا. ومن ثم، زادت سرعة الضخ بما لا يتناسب مع قدرة احتمال الأنابيب، مما أنتج انفجاراً هائلاً فيما يشبه الانفجارات النووية بحيث أمكن مشاهدته من الفضاء بواسطة أقمار التجسس.

والحال، إن الإرهاصات الأولية للحروب التي تتخذ من فضاء تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ميداناً عملياتياً، بدأت مبكراً على النقيض مما هو شائع عنها. ولم تلبث أن تطورت سريعاً في الأسلحة ومجالات الهجوم وأنماط التأثير. ففي كتاب صدر مؤخراً لريتشارد كلارك، مسئول سابق عن الأمن السيبراني في البيت الأبيض، أشار إلى إمكانية حدوث انهيار كارثي في الولايات المتحدة خلال خمس عشرة دقيقة، نتيجة التعرض لهجمات سيبرانية مكثفة. وفي هذه الحالة، يتراوح الهجوم بين مجالات كثيرة من بينها إيقاف نظم البريد الإلكتروني والتحكم في الأقمار الصناعية. وعليه، سينهار المجتمع الأمريكي نتيجة نفاذ الغذاء والأموال وغيرها من الآثار المترتبة. والأسوأ من ذلك، والكلام للسيد كلارك، أن هوية المهاجمين قد تظل غير معلومة.

لقد زادت الهجمات السيبرانية في الآونة الأخيرة بصورة ملفتة. ففي الولايات المتحدة، مثلاً، بلغت نسبة الزيادة 70%، أي من نحو 27 ألف هجمة في العام 2009 إلى نحو 47 ألف هجمة في العام 2013. فكل ما هو متاح عبر الإنترنت من بيانات خاصة، وحتى أسرار وكالة الاستخبارات الأمريكية والبنتاجون، تعرض لمحاولات اختراق صادرة من مناطق جغرافية مختلفة حول العالم. لهذا، شرعت الولايات المتحدة في بناء استراتيجيات دفاعية وأخرى هجومية، تهدف تحسين استعداداتها في مجال الحروب السيبرانية. ففي العام 2010، وحسب الإيكونوميست أيضاً، أعلن باراك أوباما أن البنية التحتية الديجيتاليةdigital infrastructure للولايات المتحدة بمثابة أصول وطنية استراتيجية. وقام بتعيين هاورد شميت، مسئول الأمن الديجيتالي السابق في ميكروسوفت، كمستشار للأمن السيبراني للولايات المتحدة. وفي مايو من العام ذاته قام البنتاجون بتأسيس مفوضية سيبرانية، يرأسها الجنرال كيث ألكساندر مدير وكالة الأمن الوطني NSA الأمريكية، حيث كُلِّف بالدفاع عن الشبكات الأمريكية والهجوم على شبكات الدول الأخرى. وقد، لحقت بالولايات المتحدة عدد من دول العالم الأخرى مثل بريطانيا وروسيا.

إن الأسلحة السيبرانية، ببساطة شديدة، عبارة عن ميلوير malware (برمجيات خبيثة) تستخدم في أغراض التخريب عن بعد، ولعل من أشهرها فيروس ستكسنت Stuxnet. وقد أُنشئت حول العالم أكاديميات متخصصة في تطوير برمجيات الهجوم السيبراني وتعليم مهارات تَهْكِير hacking البيانات. كما تقام مؤتمرات دولية للمُهَكِّرين hackers، ومعارض لتسويق برمجيات التَهْكِير، ومسابقات لإبراز مهارات الهجوم والدفاع السيبرانيين. إن بعض تلك الفعاليات يحدث في الولايات المتحدة بإشراف من البنتاجون ذاته. وقد تلجأ بعض المؤسسات العسكرية إلى دعوة المُهَكِّرين المحترفين للانضمام إلى صفوفها وتدعيم قدراتها السيبرانية، وهو ما سبق أن قام به مدير وكالة الأمن القومي الأمريكي كيث ألكساندر.

إن تعبير "الفضاء السيبراني cyberspace" الذي ظهر للمرة الأولى في روايات الخيال العلمي على يد وليم جيبسون 1984، تحول بعد عقود قليلة إلى كابوس كبير يتهدد المجتمع العالمي. وذلك، بعدما استعارت الشبكات مفهوم الاشتباك، بمعنى التصارع، في مقابل مفهوم التشبيك، بمعنى التواصل. والواقع، لا أحد بمأمن من شرور ذلك الكابوس سوى القبائل الرُّحَّل، طالما آثروا المكوث في مجتمعهم البدائي على مجتمعنا الشبكي. إنني أود، هنا، تفكيك التمييز المفاهيمي بين استخدام الفضاء السيبراني في شن هجمات عن بُعد عبر عمليات منظّمة سواء تستهدف مباشرة البنية العسكرية، من جانب، أو البنية المدنية مثل قرصنة البنوك أو اختراق مواقع الشركات ... إلخ، من جانب آخر. فكلاهما يؤدي في نهاية الأمر إلى نتائج وخيمة تَمسُّ مباشرةً منظومتي الحياة والإنتاج المدنيتين، واللذان يمثلان جوهر الصراعات السياسية والعسكرية. وفي المقابل، إن الاختراقات الإنترنتية قادرة على إحداث شقاقات تصل إلى حد النزاع السياسي والعسكري. فقد أعادت الولايات المتحدة كوريا الشمالية إلى دول محور الشر على خلفية اتهامها بتهكِير فيلم "the interview" قبيل عرضه في صالات السينما. وقد اضطرت الولايات المتحدة مؤخراً إلى الدخول في حوار مباشر مع الصين من أجل وقف هجمات المُهَكِّرين الصينيين على مواقع الحكومة الفيدرالية والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية. وبصورة عامة، إن هذه الأمثلة وغيرها تعكس خطورة تحولات مجتمع المعرفة ذات الصلة بالصراع الدولي السياسي والعسكري.

إن تعزيز الوجود الوطني على الإنترنت في مختلف المجالات كالتجارة والصناعة والبنوك ... إلخ، لابد وأن يحدث بالتوازي مع بناء مؤسسات واستراتيجيات وقدرات ردع وطنية في مجال الأمن السيبراني. وكذلك الارتقاء بكفاءات بشرية قادرة على التعامل مع المخاطر المحتملة، وسد ثغرات الأنظمة والدفاع عن الشبكات الوطنية، وشن هجوم سيبراني في حال تطلب الأمر. كما يجب الارتقاء بالوعي العام بمخاطر الحروب السيبرانية، وتهيئة المجتمع المدني للمواجهة المحتملة. وكنتيجة لانتقال التأثير المباشر لتلك الحروب من الجبهات الخارجية إلى قلب المجتمع، فإن مصادر تمويل البنية الدفاعية السيبرانية يجب أن تتوفر بمشاركة المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية والكيانات الأخرى التي حولت أنشطتها إلى الإنترنت.

بالأخير، إن الحروب القادمة سيبرانية بامتياز. وقد أوشكت أن تختفي رموزٌ وصورٌ ذهنيةٌ، انبثقت عن الحروب التاريخية ومارست تأثيراً مهماً في تشكيل وعي الأجيال المتعاقبة وتعزيز الهوية الوطنية. منذ سنوات قليلة، كنت أتجول في ميدان ترافالجار بلندن، والمعروف بتمثال اللورد نيلسون الذي دفع حياته في مطلع القرن التاسع عشر ثمناً لاستبساله في المعركة البحرية التي يحمل الميدان اسمها. وبينما يقف نيلسون وسط الميدان قابضاً على سيفه التقليدي، كنت أتساءل عن حال التماثيل التي ترمز إلى الانتصار في المستقبل. إن رموز وصور الحروب المعاصرة آخذة في التغيُّر بالتزامن مع تغيُّر مفهومنا عن الحيز الذي يتحقق ضمنه الانتصار العسكري، أي من الانتصار خلف خطوط العدو إلى الانتصار خلف قواعد بياناته وأنظمته الكمبيوترية وشبكاته الإنترنتية. وربما صنع نحَّاتو المستقبل تماثيل تجسِّد، مثلاً، نيلسون القرن الحادي والعشرين بينما يقبِض على شفرات البيانات التي يحتمي بها العدو، أو تُصوِّر جنوداً في غمرة الاحتفال بعد عملية إنزال ناجحة لبرمجيات مدمِّرة خلف شبكات العدو بينما يرفعون إلى عنان السماء هواتف ذكية ولوحات مفاتيح جنباً إلى جنبٍ مع الشعارات والأعلام الوطنية.


Comments


أحدث المقالات المنشورة
المقالات المنشورة
Search By Tags
Follow Us
  • Facebook Classic
  • Twitter Classic
  • Google Classic
bottom of page